استمع خيري منصور ذات يوم أساء مراهقو اليسار في الكثير من البلدان فهم الأطروحات ذات الصلة بالعدالة الاجتماعية والاشتراكية وتصوروا أن الهدف من ذلك هو تحويل الفقر إلى مطلب وطني وقومي. وبالفعل روى صحفي من ظرفاء الصحافة حكاية عن فلاح عربي فهم الاشتراكية على أنها اقتسام البقرة الوحيدة التي يملكها، ثم أضاف قائلاً بأنه يرفض اقتسام ما يخصه من أفراد عائلته. ويتحمل الإعلام الناقل والناسخ للتجارب في العالم مسؤولية هذا التشوش الذي تسلل إلى ثقافتنا لثلاثة عقود على الأقل بعد الحرب العالمية الثانية. وليس ذلك هو المفهوم الوحيد الذي تشوش والتبس على الناس، وعلى سبيل المثال تصور بعضهم أن الحرب الباردة قد عادت بكامل حمولتها لمجرد أن تململ الدب الروسي وعاد إليه بعض الدفء، ولم تسلم أدبيات الصراع العربي الصهيوني من هذا التشوش بسبب فقر المعلومات، والتعويل على الاستنتاجات الشخصية بمعزل عن المعرفة الدقيقة بالتسلح والمصالح الدولية والإقليمية، وكأن الصراعات السياسية صورة أخرى من المباريات الرياضية. وإلى الآن، وبالرغم من كل التطور الذي شمل الإعلام بمختلف منابره وفضاءاته ثمة تشويش قد يكون متعمداً أو صادراً عن نوايا طيبة، وإن كانت النوايا الطيبة أحياناً طريقاً معبداً آخر إلى الجحيم كما يقال. لقد أنهمك المثقفون العرب لعقد كامل بأطروحتين لفوكوياما وهنتنغتون هما نهاية التاريخ وصراع الحضارات، وبالرغم من أن الاثنين راجعا ما كتباه ونقد كل منهما أطروحته وبالتحديد هنتنغتون حين نشر مقالة في مجلة فورين أفيرز قال فيها، إن أمريكا أصبحت محترفة في اختراع الأعداء، إلا أن المواكبة لهذا النقد حل مكانها التشبث بالنصوص كما هي، وتكرر ذلك مرات في مجالات أخرى منها العسكري والاقتصادي، إضافة إلى السياسي، وطغت الشائعات الشفوية على كل ما هو مكتوب وموثق. وقد يكون أحد أسباب هذا التباطؤ في الرصد وردود الأفعال هو غياب المحترفين وفائض الهواة، إضافة إلى ندرة مراكز الأبحاث التي لا ترتهن للبيروقراطية، وتملك حرية المبادرة بلا قيود تعوقها، أو حذر يؤدي إلى تعثرها.