أقدارنا لا تختارنا، بل نحن من نصنعها.. من رواية "قزم مينورا" لمنى سلامة. ومنى سلامة هي: امرأة ترى في الكتابة روحها ومصدر سعادتها، وعن هذا تقول: أحب الكتابة كفعل وممارسة، وليس فقط من أجل تقديم رسالة أو مناقشة قضية، الكتابة نفسها تسعدني وتريحني، وفيها دوائي، إن لم أكتب فستظل تلك القصص تدور برأسي، حبسها على الورق يحررني؛ لأن القصة التي أكتبها لا أفكر فيها مرة أخرى. "الكاتبة" منى سلامة "في إحدى حفلات التوقيع مع دار عصير الكتب، وهي طبيبة بيطرية وُلدت في المنصورة سنة 1985، تكتب في الاتجاه الرومانسي الاجتماعي، ومشروع كاتبة تسعى بجدية لتطوير نفسها، تفضل أن نسميها "ذات القلم"، كتبت به روايات مثل: كيغار، ومزرعة الدموع، وجواد بلا فارس، والعشق الممنوع، وقطة في عرين الأسد، وهذه أحبُّها إليها، ومجموعة من القصص القصيرة، وقبلها كتبت مقالات دعوية قصيرة في منتديات متفرقة. فهي صاحبة قلم رشيق، دخلت به عالم الكتابة الأدبية مبكراً منذ سن الحادية عشرة، وساعدها الإنترنت في توصيل أعمالها للقراء، خصوصاً بعد الزواج وتشجيع زوجها لها بهذا الخصوص، تحت اسم "بنوتة أسمرة"، وهو الاسم الذي اقترحه عليها زوجها، ودخلت به عالم الكتابة للجمهور. وفي هذا قصة تحكيها منى سلامة، فتقول: اعتاد زوجي على أن يقرأ كل ما أكتبه من مذكرات أحتفظ بها لنفسي، أو مقالات قصيرة ومتفرقة، وكان يستحسن قلمي، وعندما أخبرته بأنني أحب أن أكتب "رواية رومانسية" كحلقات في منتدى نسائي، رحّب كثيراً بالفكرة، وشجعني عليها رغم ترددي وخوفي من خوض غمار هذه التجربة، اشتركت في المنتدى قبل أن أقرر كتابة أول رواية، جلست حائرة أفكر في اسم أسجل به، سألت زوجي فنظر إلى ابنتنا ضاحكاً، وقال: "بنوتة أسمرة" لم يتصور أن أستخدمه، لكنه أعجبني وسجّلت به. وحول استمرارها في استخدام اسم بنوتة أسمرة، تقول: استمر حتى انتهيت من كتابة أول أربع روايات، وعندما أردت التسجيل على الفيسبوك بحساب جديد غير شخصي ومتعلق بالروايات وبالكتابة عامة، لم يفلح اسم بنوتة أسمرة في التسجيل، فاستخدمت اسمي الحقيقي. ورغم أن منى سلامة تحب الكتابة بل تعشقها فإنها تكتب وفق ضوابط وضعتها لنفسها لا يمكنها أن تحيد عنها، فتقول: لا يوجد خطوط حمراء تخص مواضيع بعينها، يمكنني الكتابة عن أي موضوع، فقط إن جعلت منه قضية تشغلني، ورأيت أن لدي ما أقدمه فيها، أما ضوابط الكتابة فهي أمران لا ثالث لهما؛ لن أكتب أبداً ما يخالف عقيدتي، ولن أكتب بأسلوب وتوصيف أرفض أن تقرأه ابنتي. ولا تغيب الدعوة أو العقيدة عن قلم وروايات منى سلامة فتقول: العقيدة بالنسبة لي أسلوب حياة، وما دمت سأكتب رواية تناقش قضية أو توجِّه رسالة، فلا بد أن تتضمن شيئاً مني، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأفضل الأسلوب غير المباشر. لم تواجه منى سلامة عوائق تذكر كـ"محجبة" في حركتها نحو الكتابة للجمهور؛ بل ترى أنها كانت موفقة ومحظوظة بأن أكرمها الله بالتعامل مع دار محترمة جداً، وهي دار "عصير الكتب للنشر والتوزيع"، صنعت جسراً متيناً بينها وبين القراء. وتحاول منى سلامة التنوع في كتاباتها، لكنها لا تخوض غمار أي فن أدبي قائم بذاته يحتاج إلى تركيز جديد حول الإبداع فيه وهضمه جيداً، لكنها تسعى إلى كتابة السيناريو مثلاً، وتتحمس لهذا كثيراً بشرط أن تجد شركة إنتاج ذات طابع "متدين ومحترف" يقوم عليه. وتتمنى منى سلامة الكتابة عن كل شيء، كل ما يتعلق بالإنسان، باطنه وظاهره، وترى أن المكتبة الإسلامية تنقصها الروايات، وخصوصاً في مجال الفانتازيا والخيال العلمي والفلسفة والرعب والنفسي وقصص الأطفال وكتب الناشئة، وتقول:أتمنى أن أكتب روايات نفسية قوية، أتمنى أن أكتب روايات سياسية صريحة، أتمنى أن أكتب كل فكرة تطرق عقلي وتشغل تفكيري. وهي تحب القراءة الحرة بدون قيود قبل اختيار القضية، وأسلوب طرحها ومعالجتها، وتقول: لا أختار الموضوع الذي يهمني وفقط دون قراءة ومعايشة للواقع؛ بل أفضل أن أترك عقلي يتنقل من موضوع إلى آخر، ومن حادث إلى آخر، حتى يستقر أخيراً على أكثر ما يجذبني في الوقت الحالي، ثم أعود لأبحث في الموضوع نفسه بتركيز، وأتوقف وقتها عن قراءة ما سواه؛ لذلك لا أستطيع أن أبدأ عملين في الوقت نفسه، ولا أن أترك عملاً لآخر. لا تهتم منى سلامة كثيراً بوصولها للعالمية من عدمه، كما لا تهتم كثيراً بعالم الشهرة، وهو ما لمسته شخصياً حين كنت أعد لهذا الحوار معها، فكانت استجابتها سريعة في قبول الطلب من شخص مغمور مثلي، ولم تتعامل كما فعل البعض بتجاهل أو تأخير الرد حتى الآن، رغم رؤيتهم لطلبي في إجراء مقابلة معهم، وبعضهم أعاطني ميعاداً لإجرائها وأخلف رغم تذكيري له ورؤيته للتذكير والوعد، وحول هذا الموضوع تقول منى سلامة: صدقاً لا أفكر في مجد شخصي، ولا يهمني إن وصلت كتاباتي للعالمية، أو لم تصل، رضائي وسعادتي بتقديم عمل أفخر به أكثر من كافٍ، بالنسبة لي لا أتطلع سوى لتطوير نفسي بالقراءة وبالانضمام إلى ورش تعلم فن الرواية، ومخالطة الأدباء الذين أجلّهم وأتعلم منهم، لا لشيء إلا لأنني أحب أن أخرج عملي بأفضل شكل ممكن، وآخذ ذلك على محمل شديد من الجدية يعرفها أقرب الأقربين لي، وليس سعياً لاعتراف الآخرين بما أقدمه، اعترفوا أو لم يعترفوا، وصلت للعالمية أو لم أصل.. سأستمر في الكتابة؛ لأنها الطريق والهدف في الوقت ذاته. روايتي: " كيغار" و"قزم مينورا" من أعمال منى سلامة المنشورة.. ومع ذلك فهي تتقبل النقد الذي يوجه لها عدا نوع واحد منه، وهو ما يمس شخصها؛ لأن النقد في رأيها يكون للعمل وللقلم وليس لشخص الكاتب،وحول قبولها للنقد تقول: أتقبله من أي شخص بصدر رحب، فلولا النقد لما تمكنت من رؤية نقاط الضعف في عملي، الجمهور هو مرآة الكاتب، لكن هناك قلة مصطفاة يثق الكاتب برأيهم وذائقتهم الأدبية كثيراً، وهؤلاء رأيهم مقدم على رأي سواهم. وحول رؤيتها للزواج وهل تقدم المشاريع الكبرى على الزواج أم العكس؟ تقول كاتبتنا: على حسب المشروع نفسه، وإيجاد البدائل من عدمها إن كان المشروع يبني أمة، ويقف على ثغر من الثغور فيقدم على كل شيء، وترى أن الزواج استقرار نفسي، وبالتالي يدعم صاحب المشاريع والأحلام ويحقق له السلام النفسي ويوفر له بيئة مناسبة للإبداع إلا في حالة عدم التوافق والنزاعات وتضخم الأنا والغيرة من نجاح، والتي تؤثر سلباً على أي مشروع أو حلم لأحد الطرفين أو لكليهما. وحول رؤيتها لتوقف إبداع المسلمة أو المرأة عموماً بعد الزواج، تقول: يكون هذا لعدة أسباب، أحدها: التنشئة على أن الفتاة تصب كل أحلامها في "نقطة الزواج"، ومتى حدث فقد وصلت إلى الغاية التي ليس بعدها غاية وإذا لم يحدث أو تأخر زواجها ذبلت وماتت إلى حين أن يبعثها زوج. لا أقول إن كل امرأة قادرة على أن تتبنى مشروعاً آخر وتبدع فيه.. الإبداع ليست صفة يرثها الجميع، الجميع يحلم لكن القدرة على السعي لتحقيق الحلم والموهبة التي يمتلكها كأداة لتنفيذه.. لا يتحلى بها سوى عدد أقل من أولئك الذين يحلمون. نحن تربينا على أن العلم حكر على المدارس والجامعات.. ولا شيء يعلو فوق كتب الدراسة، وأن الاهتمام بالموهبة مضيعة للوقت، والقراءة الحرة تبديد للجهد من نجا من تلك المنظومة في التربية هو الذي تعلم كيف يسعى لتحقيق حلمه المرأة بعد الزواج، لو أرادت أن تنظم وقتها وجهدها لفعلت، المرأة التي تهتم ببيت وزوج وأطفال عندما تحمل بطفل جديد تفسح له من وقتها وجهدها لرعايته إن اعتبرت المرأة مشروعها "كالطفل".. فستجد له المساحة التي يحتاجها من الاهتمام، وطبعاً الزوج هو الدعامة التي يرتكز عليها هذا المشروع، إن أراد سانده، وإن شاء هدمه. وحول سؤالها حول رؤيتها لنفسها بعد خمس سنوات، أجابت: ما يهمني هو أن أستمر في طريقي بالشغف نفسه، ومهما كنت بعد خمس سنوات، فأكون وقتها سعيدة بما وفَّقني الله إليه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.