لا أعلم كيف تغيرت ملامح المرأة في نظري ونظرنا جميعا، صارت أجمل، أصبح وجهها مألوفا لدينا، سرت في نفوسنا بعض الطمأنينة والأنس بها. العربرابعة الختام [نُشرفي2017/01/30، العدد: 10528، ص(21)] كانت لنا في أيام الطفولة البعيدة جارة سمراء إلى درجة مزعجة وفي عينيها حول مخيف، كانت ذات ملامح قاسية، وكنت وأقراني نخافها كثيرا، ولا نفضل التعامل معها ولا الحديث إليها مطلقا، نتجنبها حدّ القطيعة ونتحاشى إلقاء السلام أو ردّه عليها، وهي تشعر بهذا لكن لا تبدي استياء. لها ثلاثة أبناء لا يشبهونها بتاتا فكلهم ذوي بشرة بيضاء صافية ومنهم فتاة رائعة الجمال، نتعجب لحال تلك المرأة كيف لها بإنجاب هؤلاء وهي شديدة الدمامة، والعجيب أن الأبناء يحبونها كثيرا، ويوقرونها بالقدر الذي يدعو إلى التساؤل ولو من باب الفضول. ذات مساء شديد الحرارة في صيفنا القائظ خرجت تنظر من شرفتها، وحين تلاقت عيناي بوجهها صرخت وهرولت إلى حضن أمي، ورأيتها في منامي فأفزعتني. وفي اليوم التالي كسرت الكرة التي نلعب بها نحن مجموعة الصغار، زجاج شرفتها، أرعبنا الموقف وخشينا من عقابها ولو بمجرد النظر إلى وجهها، وللعجب تبسمت ونادتنا لإعطائنا الكرة ووزعت علينا الحلوى، ومن يومها صارت تنادينا بالاسم واحدا واحدا، وتقوم كل فترة قصيرة بصنع المعجنات والكيك لتوزيعه علينا. لا أعلم كيف تغيرت ملامح المرأة في نظري ونظرنا جميعا، صارت أجمل، أصبح وجهها مألوفا لدينا، سرت في نفوسنا بعض الطمأنينة والأنس بها. تساءلت كثيرا كيف عبرت ملامحها من القبح إلى الجمال بهذه السرعة. الغريب أننا صرنا أكثر قربا من أبنائها ووجدناهم لطفاء، محبوبين، صارت العلاقة تسمح بتبادل الأسرار بين الأصدقاء في هذه السن الطازجة لنعرف أن “ماما توحة”، هكذا اسمها، زوجة أبيهم التي اكتسبت ثقتهم وحبهم وحب أبيهم الذي كان يظن أنه تزوج مربية للصغار فقط. سعيت إلى ما يسمح لمعرفة الكثير عن هذه المرأة التي تبدلت ملامحها بمجرد اختراق روحها والوصول إلى قلبها الطيب، لأعرف أن خلف اسمرار الوجه قلبا أبيض وروحا شفافة نقية، علمت أن الرجل تزوج من امرأة فاتها قطار الزواج لعدم تمتعها بالجمال ولا الثراء ما يغري أي رجل للزواج بها، ووجدها هذا الأرمل الذي ماتت زوجته تاركة له طفلين يحبوان، ورضيعة تحتاج إلى مربية بديلة عن أمها، كان الرجل زاهدا فيها، حتى حقوقه الزوجية ما كان يطلبها، فقط أراد لها أن تربي أبناءه وترعى بيته، ولكن حنان المرأة، جمال روحها، حسن عشرتها، وطيبة قلبها التي فاقت الحدود، جذبت الرجل وأبناءه بالقدر الذي أصبحوا جميعا يرونها جنتهم على الأرض، وأنها هدية من السماء ليتامى أيقظتهم الحياة على فقدان الأم، وعوضا لزوج فقد زوجته سريعا حتى أنه لم يهنأ بها سوى خمس سنوات فقط. أيقنت بصحة ما كانت تردده أمي دائما بأن الجمال جمال الروح، وحب الروح يدوم طويلا لكن حب الجسد يفنى مع فناء الجسد، أو تغير طبيعته، يا الله على جمال هذه المرأة، رائع هو قلبها، مثل موج جرف أسماكا طازجة إلى شاطئ. حين مات الزوج وقررت المرأة لملمة أشيائها والذهاب إلى أحد أقاربها رفض الأبناء رفضا قاطعا فهي لا تعد لديهم جزءا من حياتهم فحسب ولكنها الحياة ذاتها، أكملت المشوار وزوجت الأبناء وظلت تعيش مع الجميع، يتقافز الأحفاد على كتفيها حبا وشقاوة. تبهرني ذكراها وأنا أشاهد كيف تخطط نساء صغيرات في “خطف” زوج، أرمل، أو مطلق من حضن أبنائه معتمدات على جمال وجوه أرهقتها المساحيق، ونفوس خاوية من الحب والحنان. خطفت ماما توحة القلوب بسحر بديع، وكما يقول المثل الإنكليزي ليست كل امرأة جميلة امرأة طيبة، ولكن كل امرأة طيبة… جميلة. كاتبة من مصر رابعة الختام :: مقالات أخرى لـ رابعة الختام الجمال وحده لا يكفي , 2017/01/30 طعم الفرح, 2017/01/23 كريمة مختار.. زهرة الياسمين , 2017/01/16 مشاعر مؤجلة, 2017/01/09 حب من الماضي, 2016/12/19 أرشيف الكاتب