وضع الراحل يوسف أحمد الشيراوي كتابًا فريدًا سمّاه «أطلس المتنبي» تتبع فيه أسفار الشاعر المترحل في ديار العرب. وها هي دراسة بحثية أخرى للدكتور عبد الرحمن بن سعود الهواوي عن «الإبل والخيل في شعر المتنبي» (دار بيسان) تتابع سبل ذلك الأطلس، أي رواحل الشاعر في تجواله الصعب والمديد وكيف شكلت جزءًا أساسيًا من شعره، وكأنها جزء أساسي من حياته ومن طريقته في العيش. ولذلك، تطرق أبو الطيب إلى الإبل مثل عالم وليس مثل جمال، فذكر ألوانها وأنسابها، وسيرها وعدوها وسلوكها وتراتيب أجسامها. ووصف صبرها العظيم على الجوع والعطش، واستخدمها في شعره رمزًا ومجازًا. وأما الخيل، فكانت حبه وشغفه وبيارق فخره «الخيل والليل..».. ويقدم الدكتور الهواوي لأهمية الجمل في حياة العربي، تمهيدًا لشرح أهميته في حياة المتنبي وشعره. ويقول إنه كما لو أن ميزاته وصفاته خلقت خصيصًا من أجل أن يقتدر الإنسان العربي على حياة الصحراء وخشونة البيئة فيها. وكما تفنن العربي في أسماء السيف، اجتهد في تسميات الإبل: الشول، والعشار، والنوق، والأنيق. ويقال الكوم في الإبل العظيمة الأسنة، والوخباء الناقة القوية، والشجعة الشديدة السرعة، والسليق الماضية في سيرها، والهوجاء التي ترمي بنفسها من السير للنشاط، والعوجاء الهزيلة، والقرواء الناقة الطويلة القرا، أي الظهر. وطالما جمع أبو الطيب في شعره بين الخيل والإبل، رفيقي الأيام والليالي، وطلب العلى. وقال في قصيدة يمدح سيف الدولة بعدما أهداه فرسًا وجارية: سلي عن سيرتي فرسي وسيفي ورمحي والهملعة الدفاقا. والهملعة هي الناقة الخفيفة القوية. غير أنه كتب الشعر الكثير في وصف خيول سيف الدولة نفسه. وكانت الخيول رمز الفروسية، والفروسية رمز الحماية، وقد اعتزت المرأة والقبيلة بفارسها. ومن بين الأسماء التي أطلقت على الخيل «المقربات»، التي تقرب إلى البيوت لكرمها. ويقال فرس عالي التليل، أي طويل العنق مرتفعه، والهادي العنق، ويقال إن العرب كانوا يعوّدون الخيل أن تطأ القتيل وتجهز عليه. وتشترك الخيل اشتراكًا حقيقيًا مع فرسانها في قتل الأعداء «وتفرسهم فرسًا بسنابكها الصلبة». ويبين المتنبي أن الفرس التي أهداها إليه سيف الدولة، دهماء، والخيل الدهم هي الأفضل عند العرب، والدهمة هي السواد الخالص، والأدهم هو أشد الخيل الدهم سوادًا.