شهدت منطقة الأهرامات الأثرية بالجيزة واقعة غريبة تُعَدّ الأولى من نوعها، إذ قام سائحون أمريكيون بتوزيع منشور باللغة العربية، بعنوان "العهد الفلسطيني"، على بعض العرب والمصريين الموجودين قرب الأهرامات، يروّج لإسرائيل وأفكارها، في خطوة تعكس جرأة القائمين عليها، وعدم رهبتهم من ردود فعل المتلقين. وقد فسّر باحثون ردّ الفعل غير العدائي هذا بأنه يأتي ضمن مناخات سائدة في مصر تعتبر أن إسرائيل ليست عدواً بل العدو هو داعش والإرهاب. "الله يعاقب أعداء إسرائيل" ويتضمن المنشور الصادر عن "كنائس طوني ألامو المسيحية"، والذي وُزّع الثلاثاء الماضي، فقرة تُعرّف "العهد الفلسطيني" بأنه وعد من الله للفلسطينين وجميع الأمم، بأن أرض إسرائيل هي مُلك للإسرائيليين "اليهود". وينطوي هذا العهد - وفقاً للمنشور - على أهمية كبرى وهي أنه يؤكد للإسرائيليين أن أرض الميعاد لا تزال ملكاً لهم، وبالرغم من أنهم في الماضي تراخوا في عبادتهم لله، فإن الله يعلم ما في قلوبهم وما وعدهم به سوف يتحقق. أكمل القراءة ويشير القس طوني ألامو إلى النص الوارد في سفر التثنية بشأن العهد الفلسطيني، وهو: "إن الرب إلهكم يرد سبيكم ويرحمكم، ويلم شتاتكم من بين جميع الشعوب الذين نقاكم الرب إلهكم إليها... ويعيدكم إلى الأرض التي ورثها أباؤكم فتتملكونها"؛ معتبراً أن هذا المقطع من الكتاب المقدس يحمل وعداً من الله بأنه سيبدد الأمة خارج أرض الميعاد بسبب عدم الطاعة، وسوف تكون هناك توبة مستقبلية لإسرائيل، ثم يعود مخلصهم المسيح، ويعود شعب إسرائيل إلى أرضه، وسيقبل اليهود أن يكون المسيح مخلصهم، ويحاسب الله أعداء إسرائيل وحينئذ سوف تنال الأمة كامل بركتها. ويضيف: "علينا أن نؤمن أن الله يأخذ هذا العهد على محمل الجد وأنه مهم للغاية بالنسبة له؛ فالله لا يضمن فقط الملكية لإسرائيل، ولكنه يلزم نفسه بأن يحاسب ويزيل كافة أعداء إسرائيل. ويُكرر هذا العهد نفسه في جزء لاحق في تاريخ اسرائيل في نبوءة النبي "حزقيال"؛ حيث يؤكد الله حبّه لإسرائيل في مهد نشوئها "حزقيال 16: 1-7"، فيقول بأنه تربطهم علاقة خاصة معه مثل الزواج، وأنهم شعب الله المختار؛ لذا فلن يكون التشتت حكماً نهائياً وستكون هناك عملية استعادة، حيث كان التشتت في أنحاء العالم مجرد عقاب للإسرائيلين ثم يأتي وقت ويعودوا جميعاً إلى أرضهم". أقوال جاهزة شارك غردمنشورات قرب أهرام الجيزة في مصر تتحدث عن أن الله سيعاقب أعداء إسرائيل. أين الأمن؟ شارك غرد"كنائس طوني ألامو المسيحية" تروّج لإسرائيل في قلب مصر بلا حسيب أو رقيب ويقول ألامو إن عهد الرب هو لإسرائيل وللعالم وللفلسطينين. لذلك لا بد أن تقبل إسرائيل، كأمة، المسيح ليخلصها، ويجب أن يُجمعوا مرة أخرى في إسرائيل من كل أنحاء العالم، فضلاً عن ضرورة إقامة إسرائيل على أرضها بشكل راسخ، لتشهد الحكم على أعدائها وتنال البركات المادية الموعودة لها، متنبئاً بأن يكون هناك سلام في إسرائيل عندما يدمر الله كل أعدائها وسيكون هذا في وقت قريب جداً، بشرط أن يقبلوا المسيح كمخلص لهم، أما إذا حاربوه أو حاربوا شعبه فسيكون في هذا دمارهم كما حدث في أريحا. وفي نهاية الصفحة الأخيرة من المنشور المتألف من أربع صفحات، وُجهت رسالة إلى المتلقين نصها كالتالي: "لجميع الأفراد الراغبين حقاً بخدمة الرب من كل قلبهم وعقلهم وقدرتهم، فإن كنيسة طوني ألامو المسيحية تمنحهم المسكن وجميع احتياجاتهم في الولايات المتحدة من خلال مؤسساتها المتواجدة هناك، وتقدم الوجبات بعد كل صلاة، وتوفر مواصلات مجانية إلى مكان الخدمة". "إقناع المصريين بأحقية إسرائيل في الأراضي الفلسطينية" وقال الدكتور منصور عبد الوهاب أستاذ الدراسات العبرية بكلية الألسن في جامعة عين شمس، ومترجم العبرية للرئيس حسني مبارك، إن العهد الإلهي عقيدة متأصلة في الفكر الديني والأيدولوجي الإسرائيلي، وتثبت برأيهم أحقيتهم في أرض فلسطين، مبيناً أن مفهوم أرض الميعاد ليس جديداً عندهم. وأكّد لرصيف22 أن الخطورة تكمن في الترويج لمثل هذا الأمر من داخل مصر، على الرغم من أن المواطن المصري الذي يقرأ هذا المنشور لن يقتنع إن أرض فلسطين حق للإسرائيلين، فالمصريون ليسو مغفلين، مرجحاً أن تكون هذه الممارسات محاولة للسيطرة على الرأي العام، وأن تكون مجرد خطوة تتلوها خطوات أخرى، لمحاولة إقناع المصريين بعدم التعاطف مع القضية الفلسطينية رويداً رويداً، خاصة في ظل السيولة الإعلامية التي تشهدها مصر. وأضاف عبد الوهاب أن العهد القديم يؤكد أحقية إسرائيل في الأرض، وهو ما يراه المسلمون أنه مُحرّف أو حذفت أجزاء منه ولذلك لا يقتنعون بما ورد فيه. وفي الوقت ذاته يؤمن المسيحيون المصريون والعرب بالكتاب المقدس ولكنهم يتضامنون سياسياً مع فلسطين وشعبها، لمواجهة الجماعات اليهودية في العالم، فهم بنظرهم مجرد ديانة وليسوا قومية كما يروّجون. وتابع: "إن أميركا بها طائفة يهومسيحية، تدعم وجود إسرائيل، ولها عدد من الكنائس كان يتبعها بوش الأب والابن، ولهم أفكار تزكي التضامن مع الإسرائيلين بعيداً عن الضغط الذي يمثله اللوبي اليهودي والصهيوني". واستنكر الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، توزيع مثل هذه المنشورات في مصر، وسط غفلة من الأمن سواء المباحث أو الشرطة المتواجدة بالمنطقة الأثرية، مشدداً على أن اليبوسيون "البناة الأوائل للقدس" هم العرب الذين نزحوا من شبه الجزيرة العربية قبل مولد سيدنا إبراهيم بمئات السنين، وهم الذين انحدر منهم الفلسطينيون، أما مجيء الإسرائيلين إلى الأرض فقد كان تواجداً مؤقتاً بمثابة الضيافة أو الاختراق، وكانوا ملفوظين من الفلسطينيين الأصليين. وأوضح كريمة أن اليهود إذا ارتبطوا ببعض أنبيائهم الذين سكنوا فلسطين، فهذا لا يعني أحقيتهم في البلد. ولفت إلى أنهم كانوا في مطارادت مستمرة مع الشعوب، وإلى أن المتتبع للتاريخ القديم والمعاصر يتيقن أنه لا حق لهم في الأرض سواء أكان حقاً دينياً أو سياسياً. وأكّد لرصيف22 أن اليهود كانوا في هجرة دائمة، وحاولوا كثيراً أن يقيموا كياناً لهم في مناطق عديدة منها كندا وشرق إفريقيا، وبالتالي فإن أرض فلسطين العربية ليست المحل السياسي لهم، مطالباً أساتذة العقيدة والتايخ القديم بتفنيد هذه المزاعم وتوعية الشعوب كلها بالتزوير والتدليس الإسرائيلي. وتساءل: "كيف تسمح الجهات المختصة وهي شرطة السياحة والآثار بتوزيع هذه المنشورات في منطقة أثرية؟"، مضيفاً أنه لا يوجد نص في القرآن أو السنة يشير إلى أحقية إسرائيل في الأرض، بل إقامات مؤقتة وهجرة متقطعة بغرض الإفساد في الأرض. واتفق معه القس كاهن كنيسة ماري يوحنا بمدينة القوصية في أسيوط. وقال إن اليهود ليسوا شعب الله المختار ولم يُذكر في الإنجيل ما يثبت أو يبرهن تلك المزاعم، مشيراً لرصيف22 إلى أنهم لا يؤمنون بالمسيح ويعتبرونه لم يُبعث حتى الآن، مما يدفعهم إلى انتظار المسيح المخلص الذي يأتي إلى الأرض للمرة الأولى. ولفت إلى أن المسيحيين يؤمنون بأن المسيح جاء جسداً وروحاً، وينتظرون قيامته ليعي كل ذي حقِ حقه، ولذلك فإن فلسطين كانت وستظل أرضاً عربية مهما حاولوا تزوير الحقيقة، متعجباً من الموقف السلبي للأمن الذي لم يتخذ أي إجراء في هذا الصدد. الأمن: لا نعلم شيئاً عن الأمر وأمام هذا الواقع، رفض عناصر الأمن الموجودون في المنطقة الأثرية التعقيب على الواقعة، مرجحين أن تكون هذه المنشورات قد وُزّعت بعيداً عن المنطقة الأثرية، ومشددين على أنه من الممكن أن يكون قد تم إلقاؤها في الطرقات، أو في المرآب الخاص بالحافلات السياحية. اقرأ أيضاً تكاثروا وتناسلوا... أسلحة بقاء تركيا وإسرائيل وإيران التنظيمات الفلسطينية تشعل ملايين الدولارات لإحياء «موسم انطلاقاتها» تمييز منتجات ومقاضاة وقوائم سوداء... قرارات أوروبية عاقبت إسرائيل كيف ستستفيد إسرائيل من دونالد ترامب وكيف سيخسر العرب والمسلمون؟ كلمات مفتاحية إسرائيل مصر التعليقات