النسخة: الرقمية كان الحاضر الدائم في القمم العربية «ترتيب البيت العربي». بعد «الربيع» وثوراته وغليانه، بات المطلوب ترتيب غرف البيت... وفي قمة الكويت، قد يجوز القول إن المأساة السورية هي الحاضر الأكبر، بكل تداعياتها، خصوصاً لأن استمرارها لا يثبت فحسب قاعدة العجز العربي عن إخماد أي حريق، بل لأنه كذلك يقطّع ما بقي من خيوط الحد الأدنى من التضامن العربي وأي فاعلية له. ليس متوقعاً أن تجد القمة حلاً وشيكاً لخلاف السعودية والإمارات والبحرين مع قطر التي تصر على سياستها، فيما تعتبر الدول الثلاث أن الدوحة ذهبت بعيداً في تغريدها خارج سرب مجلس التعاون، المنظومة الإقليمية العربية الوحيدة التي نجت من تداعيات نزاعات وحروب في المنطقة... وباتت اليوم في عين العاصفة. قد تفتح جهود الكويت على هامش القمة، ثغرةً في جدار أزمة تهدد مصير مجلس التعاون الخليجي، ووحدته، وهو القوة العربية الوحيدة التي تمتلك النفوذ الإقليمي والقدرة الاقتصادية على إنقاذ دول الربيع المحاصر معظمها بالفقر والاضطراب. وإذا كان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بدا محبطاً في اجتماع وزراء الخارجية العرب عشية القمة، لأن «كل المسائل لم تناقش» خلال الاجتماع، حرصاً ربما على عدم إثارة أزمة جديدة تُضاف إلى عشرات المعضلات التي يفترض طرحها على القادة، فالحال أن الأزمة في مجلس التعاون هي الأكثر وطأة. وإذا استمرت، فلا مبالغة في القول إنها ستطيح معها ما بقي من جدران جامعة الدول العربية. يمكن بداهة تصنيف قضايا القمة وملفاتها بين أزمات «تقليدية» لا تفارق جدول أعمال مؤتمرات القادة العرب، مثل السودان الذي بات سودانَيْن والصومال المنسي في تسونامي الفقر و «الإرهاب» والقرصنة... بل حتى مثل لبنان، رغم تبدّل الظروف وكابوس الحرب السورية على حدوده، وفي بقاعه وشماله، ونوافذ الإرهاب المشرّعة عليه، تجعل الدعم العربي لجيشه من قضايا الإجماع. وأما فلسطين فحال مسار مفاوضاتها «السرية» يُسقِط في أيدي العرب، إلا الدعم المالي للسلطة. بنيامين نتانياهو دمّر المسار «الأميركي» علناً بدعوته الفلسطينيين الى شطب حق العودة، والأكيد أن لا الرئيس محمود عباس ولا سواه سيقبل بتجرّع هذه الكأس. ماذا عن القضايا «الطارئة»؟ لم تعد الحرب السورية طارئة في بداية عامها الرابع، ولا الخلافات العربية- العربية على التعامل مع تمدد النفوذ الإيراني، فيما تصرّ دول على سياسة النوافذ المفتوحة مع طهران، وتميل أخرى الى التشدد بعدما اخترق ذاك النفوذ المنطقة من بواباتها العريضة. حتى الآن لا جواب عن طبيعة المخرج، ولا أفق لحل، بينما يتواصل العزف الإيراني على أوتار الاضطرابات والخلافات بين العرب. وإن كان نتانياهو قدّم لأوباما «هدية» تفجير مسار المفاوضات مع الفلسطينيين، فالأرجح أنْ يصرّ الرئيس الأميركي على إنجاز اتفاق في الملف النووي الإيراني، الحاضر الغائب في قمة الكويت، ما دام السؤال الملحّ هو: أي ثمن ستدفعه المنطقة ترضية لطهران، يقدمها الأميركي على حساب العرب؟ ولعل ما يثير الفزع أن اضطراب المنطقة في ذروته سيُفقد دولها ما تبقى لها من مناعة، لصدّ الأطماع ورفض الخرائط التي تشطب أدوارها تباعاً. لن يكون عقلانياً توقّع ولو «معجزة» واحدة من قمة الكويت، ويتمدد التيه العربي بين أميركي يزداد ضعفاً أمام إسرائيل، ويصبح أضعف مع إيران المنفتحة شهيتها على رسم حدود جديدة للعبة الإقليمية... وبين انهيارات «البيت العربي». وأما مأساة الشعب السوري فلن تجد نهاية، لا مع غربٍ مذهولٍ بأطماع الروس وحمايتهم نظام دمشق، ولا مع مجتمع دولي ما زال يبرر عجزه بخبث الدُّب الروسي في مجلس الأمن الذي تحوَّل الى رهينة أخرس.