×
محافظة المنطقة الشرقية

«صدف».. حكاية الشراكة بين «سابك» و«شل».. منذ 37 عاماً

صورة الخبر

كتاب ملاحظات أو مدونات حول السينماتوغراف للمخرج والمفكر والفيلسوف السينمائي روبرت بريسون، يمكن أن ينير الكثير من الأمور المهمة لأي مخرج سينمائي أو ممثل أو كاتب سيناريو، سنحاول عرض فهمنا لبعض هذه الأفكار بأسلوب مبسط، الفن السينمائي ليس فنا معقدا وفي نفس الوقت هو ليس مجرد مهنة أو طريقة لنسخ الواقع، لا قيمة لأي صورة خالية من الروح. •النموذج يتحدث بريسون عن كيفية التعامل مع النموذج. بريسون يرى بضرورة أن نعطي الممثل نوعا من المشاركة الإيجابية لبناء الشخصية وليس تقليد حركات وكلام، كما يركز على أهمية الصوت والصمت والمؤثرات الصوتية ويعتبرها عناصر مهمة في بناء الصور الجديدة التي تحمل معاني جديدة ومتعددة وليس مجرد داعم وموضح للصورة، كما نلاحظ أنه لا يميل كثيراً للموسيقى التصويرية ولا يستخدمها بكثرة في أفلامه إلا في أوقات قليلة وبطريقة إبداعية مدهشة. النموذج يظل مسجونا داخل سحره، يظهر هذا السحر ويحضر إليه كل شيء له ومنه، يكون خارجه، النموذج هنا يظل في الخلف، وتبرز جبهته وخدوده. يطالب بريسون المخرج السينمائي أن يقود نماذجه إلى قوانينه وقواعده، وكذلك تركهم يتفاعلون بدواخلهم وعلى المخرج أيضا أن يتفاعل ويحس بكل لقطة وصورة، وعليه ألا يحدد المقاصد والنيات في النماذج. ونفهم من هذا أن الرموز والدلالات والاستعارات وجميع المحسنات البلاغية لا يمكن صناعتها، السينما فن شعري خلاق، وليس مهنة وصناعة يمكن تعلمها، وهو يرفض تحديد رموز ودلالات محددة لكل نموذج ويطالب بضرورة نزع الدليل من النموذج، فالدليل الذي يوجد معه أو يدل عليه يسبب في ضعفه وتشويهه، فالنموذج خلق إبداعي قد يشبه الواقع أو يتعارض معه، ويجب أن يكون أصيلا وفريدا وليس تقليدا مكررا لنموذج آخر، وهو يأتي من الواقع ولكل نموذج روحه الخاصة بعيده عن النسخ والتقليد وهي لا تتشابه أو تتكرر. •السينما تصوير جمالي للروح روعة الفن السينمائي يأتي من التغلغل وتصوير الروح وكل ما هو غير ظاهر، يعطي أهمية خاصة للوجه الإنساني نرى هذا الأسلوب في الكثير من إبداعات عباقرة الفن السينمائي مثلا بيرجمان، كوكتو، بونويل، بازوليني، تاركوفسكي، رينيه، بيالى وغيرهم. يصبح الوجه الإنساني فضاء رحبا وواسعا، يصبح مدخلا ومفتاحا مهما لفهم وإدراك أشياء لا يتضمنها السرد الفيلمي، بريسون يميل أيضا إلى تجزئة وتفتيت صور الأماكن والأشياء والوجه والجسد، هذا الإجراء قد يكون أحيانا ناتجا من وجهة نظر إحدى الشخصيات أو هي أيضا وجهة نظر المخرج السينمائي يمررها عبر الشخصية. لنأخذ مثالا فيلمه "موشيت" المشهد الأول يدور في الغابة، (ارسين) صياد يقوم بزرع بعض الخيوط ليوقع بالطيور ولصيد حيونات الغابة، رغم وجود قانون يمنع الصيد بهذه الغابة، وفعلا يقع أحد الطيور في هذه الفخاخ، بعدها تقوم الشخصية باطلاقه. هنا ليس حدثا دراميا ولا بداية لقصة الفيلم، في هذا المشهد خلق إبداعي بلغة سينمائية تجمع بين التشكيل وتخلق مجموعة من الاستعارات لتقذف بنا أبعد من مجرد حكاية، هذه التجزئة للوجه والجسد الإنساني وعناصر الطبيعة لا يتم عرضها دفعة واحدة، المشهد يعطي نوعا من الغموض وبعدها سنكتشف أن هذا المكان سيصبح فضاء لأحداث كثيرة مهمة هي ليست بالدرجة الأولى أحداثا درامية بل هي أحداث تحلق بنا في عالم ميتافيزيقي خيالي، وتحاول كشف أو طرح أسئلة حول الحياة والموت، السعادة والتعاسة. •السينما ليست المسرح السينما بالنسبة لبريسون ليس إعادة لعرض المسرح المصور، هي قاعات العرض حيث نغوص بالظلام ليأتي نور الصور، هي شعر يُكتب على الشريط كما نكتب على الورق بالقلم، هي هذا الفن الجديد التعبيري القادر على كشف ما لا تكتشفه الفنون الأخرى. الفيلم يعطي الحياة للشخصيات والأشياء، فالفن هو فن لأنه متحول، هو لا يعرض الطبيعة أو ينسخها، الفن السينمائي يُحدث تغييرا كبيرا ويقدم الروح، وهو يطالب المخرج معرفة ما هو الصوت وما هي الصورة، ولماذا تأتي وما هي أفعالها ودورها في كل لقطة، وكل كل ما هو للعين يجب عليه ألا يقوم بأفعال وظائف مزدوجة مع الذي هو للأذن، يشرح هذا ويشير إلى عدم جعل الصوت يحل محل صورة، وبضرورة حذف أو جعل الصورة محايدة كون الأذن تذهب أكثر نحو الداخل، والعين تنظر إلى الخارج. •الصورة والصوت الصوت لا يجب أبدا أن يأتي لنجدة واسعاف أي صورة وكذلك أي صورة لا يجب أن تسعف أي صوت، في حال كون الصوت ضروريا لتكملة صورة ما، يجب فعل نوع من التوازن والترجيح سوى للصوت أو للصورة، التساوي سيغرقهم أو سيقتلون أنفسهم كما نقول مع الألوان، لا ينبغي أن تقدم الصورة أو الصوت مساعدة لأي واحد منهما، لكن يجب أن يعمل كل واحد منهما ويقوم بدوره لوحده ويكون هناك نوع من التتابع والتفاعل، العين الفضولية والحذرة تجعل الأذن تصبر، والأذن الفضولية والمنتبهه تجعل العين تصبر، أي كل واحد يتقدم إلى الامام، على السينمائي أن يستخدم هذا الأسلوب في إثارة العين والأذن كون قوة فن السينماتوغراف أنه يرسل باتجاهين بطريقة قابلة خلاقة ومدهشة. •الشعر يدخل لوحده بواسطة الحذف الفن السينمائي بالنسبة لروبيرت بريتون هو من أرقى وأكبر الفنون القادرة على الخلق والإبداع وتقديم تصور خاص عن الروح والقضايا الكبرى الشائكة مثل وجود الخالق ورعب الموت والتأمل في واقع الإنسانية ومستقبلها، ويشير في كتابه بأن حقل السينما هو فن لا يعد ولا يحصى ولا حدود وأنه يعطيك سلطة غير محدودة للخلق والإبداع. السينمائية عنده بمثابة عقد وربط بين الشخصيات والأشياء حولها أو التي تتعامل بها ويكون هناك علاقات جديدة وجيدة لذلك ينصح بضرورة النظر وفحص الأشياء قبل التصوير وعدم ترك الأمور للصدفة، فالتجهيز للفيلم لا يقل خطورة عن التجهيز لخوض معركة وعدم الركوض وراء الشعر هو يدخل لوحده بواسطة الحذف، وهو يرفض العموميات ويميل إلى المواضيع الصغيرة ويرى أنها تستطيع أن تعطينا حُجة من الحسابات والترتيبات المتنوعة والعميقة، وينصح بتجنب المواضيع الفسيحة جدا أو البعيدة جدا حيث لا شيء، أو بالتأكيد يجب أخذ من هذه المواضيع الأمور التي تكون مرتبطة بحياتنا والتي ستنقل من خلال تجارب المخرج السينمائي. الأشياء داخل فيلمك تعني حياة السينماتوغراف، وبواسطتها تأتي المعاني الدقيقة واللطيفة عندما تتوحد التركيبات والتكويناتك الفيلمية. ويؤكد بريسون على ضرورة وجود القرابة والنسب بين الصورة والصوت والصمت ومنح هذه العناصر الثلاثة الهواء والفضاء الذي يفرحههم معا من أجل أن يختاروا أماكنهم، وهو يرفض الفيلم الذي تأتي جذوره من المسرح ويرى مثل هذا النوع لا ننتظر منه أي دهشة ويذهب لتفسير الفروقات بأن مسرح وسينما: تردد وتناوب بين الاعتقاد وعدم الاعتقاد لكن فن السينماتوغراف إستمرارية الاعتقاد، والفيلم الناجح يتحقق عندما يشابه ويصور ما يوجد في خيال المخرج، وهو يرفض الشروحات والتوضيحات وتحليل المواقف مع الكلمات، ويدعو إلى ترجمة كل هذا بواسطة الصور وبواسطة الأصوات، أخيرا سيكون كل شيء واضحا، ويتأكد أسلوب المخرج والأسلوب في نظره كل الذي ليس تكنيكا. •جبروت الإيقاع لا شيء أكثر تقزيزا وغير لائق ولا فعالا مثل الفن الذي يتم بناؤه، ويأخد هيكل وشكل فن آخر، ويجب أن تكون للإيقاعات قوة جبروتية، هذه القوة يجب أن تظل صامدة ومتينة لذلك يجب لف العمق إلى الشكل والمعاني إلى الإيقاعات الشيء القديم يصبح جديدا إذا تم تحريره من الأشياء الأخرى العادية المحيطة به، والصور مثل نغمات الموسيقى لها سحرها الخاص ويوجد تبادل ينتج بين الصور والصور، الأصوات والأصوات، والصور والأصوات وكذلك الأشياء والشخصيات كل هذا يخلق تكوينات وتركيبات مدهشة وبدون تفاعل هذه العناصر أو تفككها يتحول الفيلم إلى مسمى آخر وليس سينماتوغراف بحسب ملاحظات روبرت بريسون. •اللقطة (اللوحة التشكيلية) الفن السينمائي عند بريسون هو إنساني في المقام الأول ويوثق معاناة وألم الروح الإنسانية؛ ولكن لا يعرض هذا بطريقة مباشرة، كون المباشرة تقتل الفيلم، والصور تدرك الشيء قبل حدوثه من خلال ترابطها الداخلي. يميل بريسون إلى اللقطة (اللوحة التشكيلية) ويخاطب المخرج بضرورة تبديل عدسات آلة التصوير، كما يقوم بتبديل نظاراته والتفكير جيدا في زاوية ووضعية الكاميرا وضرورة أن يمتلك العنصر البصري والسمعي مؤهلات وميزات داخلية، فالشكل الخارجي المزخرف والخالي من العمق لا يمكنه أن يؤثر أو يثير أي نقاشات حوله، ووجود أي كلمة واحدة أو حركة غير مضبوطة أو فقط تم وضعها في غير مكانها المناسبة ستمنع وتشوه بقية العناصر وتربكها. •المؤثر الصوتي يولي بريسون قيمة كبيرة لإيقاع المؤثر الصوتي ويوصي بأخذه حيا فهذا الذي تعتقده مسموعا لن يكون كما تسمعه بالشارع، بالمحطة، بسكة الحديد.. خذها واحدة مع الأخرى في حالة صمت وخذها وهي في حالة اختلاط، فالمؤثر الصوتي يأتي من الباب الذي سيفتح وسيغلق وخطوات المشي... الخ وهو ضروري من أجل خلق الإيقاع. يصعب تلخيص ملاحظات روبرت بريسون حول فن السينماتوغراف وحاولنا هنا أن نتوقف مع بعضها وتقديمها بحسب فهمنا الخاص لها، ويمكن الرجوع إلى الكتيب وهو صغير في حجمه ولكنه عميق وثري يجب قراءته بتمعن وفهمه، وهذه خطوة أولى مهمة وضرورية لأي سينمائي يريد خوض مغامرة هذا الفن التعبيري الساحر. والكتاب متوفر بأكثر من 22 لغة وكذلك يوجد باللغة العربية، ترجمه اللبنانيان محمود أمهز وفادي اسطفان ويقع في 107 صفحات من القطع المتوسط وأصدرته "دار الجديد" في بيروت.