حالة وجوم تنتاب الواقفين .. أدمع تنهمر من أب مسن يقف بصعوبة بالغة متكئ على عصاه .. يستقبل ضيوفه والألم يعتصر فؤاده وهو يودع أخر ابن من أبنائه .. الحزن يكسو وجهه وهو يزفه لحياته الجديدة ليقضي باقي أيامه وحيدًا في مسكنٍ هُجر منه كل الأبناء .. مشهد يتكرر في كل ليلة زفاف تختلط فيها عبارات المباركة مع المواساة فتحيل خيمة العرس لسرداق عزاء .. لحظة فرح ينتظرونها حتى يتجرعوا خلالها ألم الفرقة والاغتراب عن الخلان والأحباب .. ثمن باهظ يدفعه هؤلاء المساكين رضوخاً لقرار جائر ليس له ما يبرره سوى أطماع يريد أصحاب المصالح أن تكون على حسابهم اعتقاداً أنهم أضعف من الوقوف في وجههم وتحدي سطوتهم وجبروتهم للوصول لحقوقهم المسلوبة. هذه القصة التي يظنها البعض ــ بواقعها المؤلم ــ فنتازيا من الخيال ، لا تحدث في فلسطين أو ميانمار.. بل تتكرر بكل أسف في دولة العدل والمساواة .. دولة القانون التي أرسى دعائمها الملك عبدالعزيز ويحمل لوءها سلمان .. في النباة التي سكنت على استحياء بشاطيء البحر الأحمر على مسافة 60كم شمال مدينة ينبع البحر .. في تلك القرية الحالمة التي كانت مصيفاً لأهلي ينبع بجوها العليل صيفاً واعتداله في الشتاء .. بطيبة أهلها وكرمهم وعراقتهم .. بمحاصيلها الزراعية التي يتغنى الجميع بمذاقٍها الذي ترويه مياه الأمطار قبل أن ينتهك مصنع الأسمنت حرمتها ويفقدها عذريتها .. قبل تلويثه لبحرها وسمائها .. قبل فرضه لقوانينه السادية طمعاً في الأراضي التي تجاوره واستخدامه لنفوذه في المحافظة لمنع سكانها من التعمير والبناء. ظلمٌ يطال هذه القرية دوناً عن باقي القرى المجاورة فالبناء محرم وشبابها عليهم مغادرتها والسكن في أي مدينة أخرى بعد تلك الليلة الظلماء .. قمع يطال الجميع ويخالف توجهات الدولة التي تسعى جاهدة لتوطين أهل القرى فكل من يتحدى هذا القرار يهدم بيته فوراً بمباركة رئيس مركز تخلى عن أبناء قريته ولم يسع على قضاء حوائجهم وتفرغ للعمل حارساً مخلصاً همه الأول الإبلاغ عن الهدم والبناء. هؤلاء الشباب ليس لهم الحق في تملك وحدات سكنية من الإسكان الخيري فهم في نظر القائمين عليها يملكون وظيفة تضعهم ضمن شريحة الأغنياء .. زاد من هول المصيبة اقدام المصنع على فصل عدد هائل من شباب القرية وطردهم من إسكانه دون أسباب مقنعة وبطرق ملتوية تبرئ ساحته وكأنه يريد تفريغها تماماً من شبابها والتقوي على كهولها الضعفاء. الضرر المترتب على مثل هذه القرارات الظالمة أكبر بكثير من فائدة تعود على مسؤول لا يتقي الله في قراراته ويبتغي من وراء تشريعاته المتعسفة خدمة ملاك المصانع فقط ولا ينظر للضرر المترتب عليها ويتمادي في سعيه الحثيث للاستزادة من المال على حساب هؤلاء. في ظني أن الدولة مسؤولة أمام الله عن كل ذلك ولو علمت ما ادخرت جهداً لدراسة هذه الوقائع والاستقصاء لمعرفة ومحاسبة المسؤول الخائن لأمناته الذي وضع هذه القوانين المجحفة مستقوياً بكرسيه ونفوده على مواطنين شرفاء لا يألون جهداً لخدمة هذا الوطن المعطاء وإن جار عليهم من لا يتقي الله. لا حل سوى إلغاء هذا القانون الجائر مهما كانت أسبابه ومبرراته فالإنسان في نظر قيادته الحكيمة بالتأكيد أهم من الأسمنت .. من الأراضي والصخور والجمادات. لا حل سوى السماح للجميع بممارسة حقهم الطبيعي في التملك والبناء والتعمير الذي كفلته لهم قوانين السماء ولم شمل الأسر الممزقة وإعادة فرحتهم بليلة عرس سلبهم إياها قانون الأشقياء. الرأي حامد الشريف كتاب أنحاء