مما يعاب على جامعاتنا أنها نسخ متطابقة مع بعضها البعض في كل شيء، في الأنظمة والمتطلبات وشروط التعيين والقبول والاختبارات ومناقشة الرسائل العلمية وغيرها من الجوانب التنظيمية والأكاديمية، فتجد جامعة كبيرة كجامعة الملك سعود يفرض عليها من الشروط والإجراءات الخاصة بتعيين هيئة التدريس أو قبول الطلاب مثلما يفرض على أي جامعة صغيرة مولودة للتو في إحدى المحافظات، ونتيجة لذلك ظهر التماثل بين الجامعات في مستوى العطاء ونوع المخرجات حتى تكاد لا تجد بين الجامعات أي تمايز علمي وأكاديمي يذكر. هذا التطابق بين الجامعات لا يخدم المصلحة العامة من جوانب كثيرة، أبرزها أنه لا يحقق الازدهار المعرفي والنمو العلمي والأكاديمي الذي يرنو إليه المجتمع، فهو يقيد الجامعات بقيود موحدة لا تستطيع الإفلات منها نحو ما هو أفضل، كما أن وضع شروط موحدة لقبول الطلاب يخلق مشكلة استيعاب الطلاب الذين تقصر بهم قدراتهم عن مقابلة الشروط المطلوبة، فيظلون خارج دائرة التعليم لا يجدون مؤسسة تعليمية تقبلهم، والنتيجة هي إما أن تجبر الجامعات كلها على استيعاب جميع المتقدمين لها بمن فيهم من خذلتهم قدراتهم فلم يتمكنوا من اجتياز كل ما هو مطلوب منهم، وإما أن يترك أولئك الشباب في سنهم المبكرة تلك يهيمون على وجوههم، بلا تدريب ولا خبرات عملية ولا مهارة لغوية، فإن هم ذهبوا يطرقون أبواب العمل لم يجدوا ترحيبا من أحد. ولو أن الجامعات الناشئة في المحافظات الصغيرة أعطيت لكل منها الحرية لتتمكن من تعديل برامجها ومتطلبات القبول فيها بما تراه ملائما لاحتياجات الطلاب متوسطي القدرات ممن لا تؤهلهم درجاتهم للالتحاق بالجامعات الأكبر، لقضي على تلك المشكلة ووجد كثير من المتعطلين ما يبحثون عنه من الفرص الدراسية. إن جزءا كبيرا من التمايز العلمي والأكاديمي الذي يظهر في الجامعات المرموقة في العالم يعود إلى الحرية الأكاديمية التي تتمتع بها، ومن ذلك حريتها في اختيار ما تسنه من أنظمة وشروط سواء لقبول الطلاب أو تعيين هيئة التدريس، فمثلا جامعات كهارفارد أو اكسفورد وأمثالها تجنح إلى وضع شروط ومتطلبات عالية الدرجة للالتحاق بها سواء للدراسة أو للعمل ضمن هيئة التدريس، وغايتها من ذلك أن تضمن لنفسها مستوى معينا من التفوق العلمي والأكاديمي تتميز به على غيرها من المؤسسات العلمية، فالتحاق الأساتذة أو الطلاب الأقل في مواهبهم أو قدراتهم الأكاديمية يعيق الجامعة عن أهدافها في التميز، كما أن الأساتذة غير المتميزين يكونون غالبا متقاعسين لا يشعرون بحاجتهم إلى تطوير مهاراتهم وتحديث معلوماتهم أو التوسع في مطالعاتهم، وكذلك الطلاب الخاملون، يغلب عليهم عدم قدرتهم على مجاراة زملائهم المتميزين في سرعة الفهم ونوعية الأسئلة ومستوى النقاش والتحليلات، إضافة إلى أنهم بسبب قدراتهم المحدودة، لا يثيرون تحديا عند أساتذتهم ولا يحاصرونهم بالأسئلة أو يحرجونهم بالمحاورات فيركن الأساتذة إلى الاسترخاء والهبوط في مستوى العطاء، والنتيجة ظهور الانحدار في مستوى المخرجات بما يتماشى مع انخفاض مستوى التدريس.