أعجبتني فكرة ابتدعها زميلنا الكاتب الساخر الدكتور أحمد العرفج وهي قراءة كتاب مع معجبيه وهم يمارسون رياضة المشي. وعلى الرغم من فكرة صديقنا العرفج وقد صادفته في أحد المطارات الخليجية لم يظهر لي نتائج هذه البدعة الحميدة عليه، ولكنه على الأقل إحياء سُنَّة من سُنن الإسلام، حيث حثنا ديننا الإسلامي الحنيف، على المشي إلى المسجد جيئة وذهاباً لأداء الفروض لنيل الأجر والثواب، حيث قال الرسول صلى الله علية وسلم- «بشِّر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة. ويُعد المشي جزءاً من حقيقة التنقل اليومية، فهو الأسلوب الأساسي للحركة، حيث إن أي تغير للمكان يتطلب جزء منه أو كله تقريباً اللجوء إلى المشي» وهو أكثر الطرق رسوخاً وقدماً. ولقد كان لتطوير وتحسين مرافق المشاة الأثر الفاعل في إعادة الحيوية والنشاط لكثير من مناطق التجمعات التجارية والتسويقية، (مثل شارع الثميري) وقد كانت مباني القطاع الخاص تتزايد فيها وجود المشاة وتُعد أكثر المواقع الخاصة التجارية نجاحاً؛ هي تلك التي توفر الراحة والمتعة للمشاة أكثر من غيرها وكذلك الأحياء التي يتوفر فيها نظام للمشاة ومجهز بشكل جيد يعطي شعوراً بالارتياح والمحبة والتكاتف والتناصر بين ساكنيه، ويمكن الاستعانة بالمشاة في الأحياء لمراقبة وحفظ الأمن والوجود في كل مكان، وهذا له أثر كبير في مساعدة أجهزة الأمن «إن جو التكاتف والمساعدة الذي يبديه المشاة؛ يجعل من الحي والمحيط الذي يسكنون فيه، مكاناً مملوءاً بالحيوية والأمان ويبعث على راحة ساكنيه». ويدفعنا ذلك إلى توقع أن تكون مرافق المشاة جيدة ومصممة بشكل حسن، ولكن الأمر ليس كذلك. فمنذ أصبحت السيارات هي وسيلة التنقل، أعطت المخططات الحديثة الأولوية للسيارات، فشقت لها الطرق لاستيعاب العداد المتزايد من السيارات وسرعة حركة المرور العالية. وفي المقابل تغيرت صفات وتركيبة الأحياء السكنية، وأصبح المشي من الاهتمامات الجانبية في التخطيط العمراني للمدن. وأصبح التركيز منصباً على وسائل الموصلات الأخرى وعلى الرغم من المشكلات المترتبة على الاعتماد المتزايد علي وسائل الموصلات الآلية مثل الاستهلاك الكبير للطاقة مع إدراك أن موارد الطاقة محدودة وعالية التكلفة وذات مستوى من الضجيج العالي وتلوث الهواء. وأيضاً المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المشاة من هذه المركبات. بل إن سائقي المركبات أنفسهم ليسوا بعيدين عن مخاطرها. وقد جاء في التقرير الإحصائي السنوي لعام 1433 هـ الصادر عن مرور مدينة الرياض وقوع 765 حادث سير للمشاة في مدينة الرياض خلال ذلك العام هذا الرقم يبين في المتوسط إصابة اثنين من المشاة كل يوم. أما ما يتعلق بتأثير السياسات والتنظيمات على حركة المشاة، فقد أدى إلى اهتمام من واضعي السياسات بحركة المركبات المتزايدة إلى تجاهل حركة المشاة إن معاناة أولئك الذين يعتمدون على قضاء مشاويرهم مشياً على الأقدام لم تلق تركيزاً ولم تسلط عليها الأضواء (وإن من دلائل ذلك الإهمال ندرة المعلومات الشاملة عن تنقل المشاة). وبذلك فإن تصحيح الوضع وتحسين نظام المشاة يستدعي إعادة النظر في وضع السياسات والتنظيمات، وتحديد مدى ومستوى تأثير وإعاقة عوامل الأمن والسلامة واستعمالات الأراضي، كما إن هناك حاجة لإزالة العقبات والعوائق المادية والنفسية والاجتماعية وتوفير الحماية من العوامل الجوية والطقس المزعج وتعزيز وزيادة التنوع البصري وأسباب الراحة والمتعة، بحيث تكون عوناً في تحسين نظام المشاة القائم وفي التطوير المستقبلي لأنظمة الحركة في الأحياء السكنية والحث على ممارسة المشي كونه الطريقة الفاعلة والآمنة والصحية والممتعة في التنقل.