×
محافظة المنطقة الشرقية

الباطن والخليج.. من يورط الثاني أكثر؟

صورة الخبر

يأتي عام 2017م، والعالم العربي يشهد حالة تفكك غير مرئية على مختلف مستويات البنى الاجتماعية والثقافية، وأضحت مساراتها مثار جدل واسع حول إمكانية التعامل مع أولويات جديدة ذات صلة بثلاثية مجتمع المعرفة "القيم والمهارات والتمكين"، التي من شأنها إيضاح الوسائل والأساليب المتوافرة، واللازمة لبناء الفكر الملائم للتوجهات الشرق الأوسطية، ومنها الازدواجية في النظام السياسي والاجتماعي، والتي اعتبرت محصلة "الفوضى الخلاقة"، التي سادت خلال المراحل السابقة، ويمكن اعتبارها مؤشرات أولية لحالة الجدل المثير حول مستقبل الأنظمة العربية والإسلامية التي لم تطَلها ثورات الربيع العربي أو تلك الدول التي ما زالت رياح التغيير تعصف بها نحو مآلات يصعب التكهن بنتائجها، أو بالخطوات المرحلية التي يمكن أن تؤدي إلى إحداث تفكك بنيوي في أطرها المؤسسية. لذلك يتأهب الكثير من المراقبين والمتابعين لمآلات الحراك الثوري في عدد من الدول العربية، في إطار فلسفة التغيير لموجة ما بعد ثورات الربيع العربي، ومنها الإجراءات الاستباقية لمجريات الأحداث المحلية والوطنية وانعكاساتها على منظومة الحراك السياسي والاجتماعي، وارتباطه بالبناء الفكري لدى شرائح متعددة من المجتمع واتجاهاتهم إزاء مآلات تلك الثورات. ويمكن الحديث هنا عن بعض الثورات التي شكلت نموذجاً لاستيعاب ماهية الخطاب الإعلامي، الذي رافق تلك الثورات، ومدى مواكبته للكثير من المواقف والإرهاصات التي بلورت في مجملها فلسفة الثورة؛ ذلك أن الأنظار تتجه صوب العاصمة المصرية القاهرة، التي قدمت نموذجاً لثورة جماهيرية واسعة النطاق أطاحت بنظام يدرك حجم المخاطر والتحديات في حالة استمرارية مواجهة تلك الثورة الجماهيرية السلمية، وهي ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وقدمت نماذج لقوى سياسية واجتماعية ساهمت في تحريك الرأي العام إزاء تلك الثورة، وشكلت ازدواجية في الرؤى والتوجهات لدى الأطر المجتمعية التي شاركت فيها. وهكذا نجد الإشكالية الحقيقية التي مثلت مرتكزات هذه الازدواجية، سواء في المعايير أو القيم أو البناء التنظيمي أو المؤسسي، هي التي وجهت مسارات القوى الاجتماعية الفاعلة في الساحة السياسية والعامة، وقادتها إلى محاولات استعادة الأفكار الناجمة عن الجوندوية -نسبة إلى المفكر الأميركي جون ديوي- حول العلاقة بين المؤسسات الاجتماعية من خلال الربط بين "الإصلاح الاجتماعي" و"النظام التربوي"، وعلى ضوء معرفة الأبعاد التاريخية والظروف التي أحاطت بنشأة النظم التربوية في المجتمع ومراحل تطورها. ولذلك كان من المتوقع أن تظل حالة الضبابية في الأفكار قائمة حول مآلات الفكر الذي ينبغي التعامل معه، وفقاً لطبيعة المجتمعات التي تشهد "لحظة ميكافيلية جديدة"، ويمكن من خلال التوافق المبدئي حول الصيغ التوافقية اللازمة لضمان الشفافية السياسية كمحدد أساسي لتجاوز مراحل استعادة الذاكرة الجمعية، في ظل ثنائيات "البعد والبعد الآخر"، التي أوجدت تلك الازدواجية المغايرة للمتغيرات العالمية، والتي من شأنها أن تمكن الأجيال الناشئة من تعميق شعورهم بالانتماء إلى وطنهم.. بحيث أصبح من الضروري العمل من أجل إيجاد "خارطة ديموغرافية" جديدة مبنية على مؤشرات إحصائية واضحة ومحددة حول برامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي، للبحث عن الفرص التنموية الجديدة، في ظل ثنائية المواطنة والحقوق التنموية، وبالتالي تظهر الفجوة القائمة بين تلك الثنائية، ويعبر عنها إحصائياً (كمياً وكيفياً)، والتي يتضح من خلالها الثبات أو الثبات النسبي ضمن المؤشرات الدولية والإقليمية، ولذلك من المحتمل أن تبرز جملة من التحديات والصراعات التي يطرحها التدفق الكبير من شبكات التنميط المعلوماتي والاقتصاد المعرفي، وعندئذ لا بد من التوفق والتدبر وإعمال الفكر في كيفية المحافظة على الثقافة الوطنية والهوية أمام هذا، من خلال توفير بيئات تمكينية تكفلها النظم التربوية والاجتماعية، وأساليب التنشئة الأسرية القائمة على العقلانية في التدبر والحركة، والمستندة إلى بناء اجتماعي مؤطر بثقافة عصرية وقدرات كبيرة على التواصل الواعي مع المجتمع الخارجي. ولا يتأتى ذلك إلا بتوسيع الحريات أمام طاقات الشباب وإبداعاتهم وتشجيعهم وتقديم الحوافز لهم، في ظل احترام قيم التنوع والتعدد الثقافي في المجتمعات العربية التي من شأنها أن تكسب النشء قوة وحافزاً للتنمية من خلال سيادة مفاهيم التعايش والحوار مع الآخر واحترام عاداته ومعتقداته، وعلى ضوئها يتم احترام قيمة التعليم والتربية ودورها في تقدم المجتمع ونهضته وزيادة الوعي الديمقراطي فيه، وإحداث التغيير المطلوب، وفي تلبية احتياجاته من الطاقات البشرية المدربة، وفي إعداد أفراده لأدوارهم ومسؤولياتهم الاجتماعية، التي تتمثل في تبني برامج هادفة للتعامل مع مظاهر التغير الاجتماعي الذي قد تشهده المجتمعات العربية والإسلامية، ومنها إيضاح دور المؤسسات التربوية والاجتماعية كنظام اجتماعي يُسهم ويتفاعل مع بقية النظم الاجتماعية في عملية التشكيل الثقافي والاجتماعي، وبث القيم والاتجاهات لدى النشء والشباب ودورها في تعزيز روح العمل المنتج، ومحاولة تقريب التفاوت الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، كما تُسهم أيضاً في ترسيخ وتدعيم نظام الحكم والروح الديمقراطية، كما تشهدها مثلاً المعسكرات والمخيمات الصيفية الشبابية، واللقاءات والمنتديات الثقافية والرياضية والكشفية، التي تلعب دوراً تربوياً هاماً في غرس قيم الولاء والانتماء في ظل منهجيات قائمة على "التنافس والصراع والتعاون والعلاقات الاجتماعية الأخرى والضبط الاجتماعي"، كمسارات متجددة، يكتسبها النشء والشباب من المؤسسات الاجتماعية والتربوية الأخرى، كالمدرسة والأسرة ووسائل الإعلام وجماعة رفاق ومؤسسات دينية وثقافية وترفيهية وأحزاب سياسية، وكعمليات اجتماعية، تتفاعل وتتكامل فيما بينها. وتبرز حينها المهارات المعرفية والذاتية لدى اليافعين والشباب مثل اتخاذ القرار والتخطيط للمستقبل، ومهارات التفاوض وإدارة الحوار، وتقبل آراء الآخرين، وهذه المهارات جوهرية للتعاطي مع الكم الهائل من المعلومات الذي يتدفق عبر فضاء الإنترنت والفضائيات والصحف، وأصبحت تمثل موارد معرفية غير مقننة ومفتوحة تتطلب من مستخدميها إجادة التعامل مع طوفان المعلومات وامتلاك القدرة على تنقيحها واستخدامها، ودراسة مدى أثر وتأثير تلك الموارد ومساراتها في البِنى الاجتماعية والثقافية لدى المجتمعات المستهدفة محلياً ووطنياً ودولياً، في ظل العلاقة بين الثقافة والمجتمع، وانعكاساتها على التوجهات الشرق أوسطية. وهنا نتكلم عن مسارات البنى الاجتماعية والثقافية وتحولاتها في الثورة المصرية، لا سيما عندما تحدث الأستاذ الكبير هيكل عن "ثورة الغضب" في 25 يناير، وما نجم عنها من مسارات حتى ثورة 30 يونيو/حزيران، وهي أن فلسفة الثورة تنشأ وتضمحل عاكسة التيارات الفكرية السائدة في زمنها، ذلك أنها لا تزال مرتبطة بالزمن والثقافة والظروف التاريخية والموارد المتاحة، مما يعني أن التغير في فلسفة الثورة بتغير دلالاتها عبر الزمن، وفي كيفية تشكل المفاهيم والمصطلحات ما بين "ثورة الغضب" و"خريف الغضب"، مما يدعو للتأمل في الوضع العربي المعاصر، ومشاريعه الفكرية، التي قد تعبر عن مرحلة انتقال بين خطاب سياسي حديث وممارسة اجتماعية تقليدية، ومن خلالها ينبغي وضع سياسة ثقافية يشارك في صياغتها القوى السياسية والاجتماعية والمجتمع المدني، وهذا ما جعل من ثورة 25 يناير روح الثورة المصرية المتجددة. وهل لتلك الثورة من دلالات في رسم ملامح التوجهات الجديدة لمصر خلال مرحلة معينة أو مراحل متعددة بعيداً عن الشعارات الواهية التي لا تخدم مسار الثورة؟ بحيث تكون تلك التوجهات في حالة من التضارب في الأنباء فيما يتعلق بأبعادها وغاياتها، غير أنها على الرغم من ذلك قادت إلى الكثير من المفارقات التي شكلت الشعور والوعي لدى بعض الشباب، بأن هنالك تغييراً حقيقياً يلوح في الأفق، وكأن ذلك إعلان ضمني عن مآلات متعددة لتلك الثورة، ضمن محاولات التجربة، وفي سياق إدراك الأفكار، التي يمكن أن تجعل من مساراتها قائمة على سيناريوهات بديلة وإتاحة المجال لأفكار أخرى ضمن مسارها الاستباقي الذي يمكن أن يعطيها حالة فريدة ومغايرة عن التجارب والنماذج الأخرى في البلدان العربية التي طالتها ثورات الربيع العربي. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.