×
محافظة المنطقة الشرقية

الإصابة تغيب الجهني أمام النصر

صورة الخبر

سلطان حميد الجسمي ارتبطت كلمة الراديكالية بمفاهيم عدة، وأصلها من الكلمة اللاتينية Radis، وتعني الجذر والأصل، وأطلقتها بعض الموسوعات بمعنى العودة للجذور، والإشارة إلى تصلب رجال الدين في أوروبا في مواجهة التحرر السياسي والفكري والعلمي، وإصرارهم على القديم من دون تجديد، كما أطلقت بمعنى معاكس في الأدبيات السياسية والفلسفية، وهو التغيير الجذري للنظم القائمة الاجتماعية والسياسية وغيرها، وظهرت تيارات فلسفية وحركات سياسية راديكالية كثيرة في العالم، ذات اتجاهات مختلفة، فظهر في القرن التاسع عشر فلاسفة منتمون للّيبرالية الراديكالية مثل جيرمي بنتام، دعوا إلى تغييرات جذرية في النظم القائمة، كما ظهرت حركات اشتراكية طالبت بإعادة البناء الكامل للمجتمع، أصر بعضها على أن الثورة هي الكفيلة بإصلاح المجتمع، منهم البولشفيك في روسيا، الذين استولوا على السلطة عام 1917، وأقاموا حكومة شيوعية، كما لعبت الأحزاب الراديكالية في أوروبا أدواراً في الحياة السياسية، فخلال القرن التاسع عشر عد كثير من الراديكاليين الأوروبيين الثورة الفرنسية نموذجاً لهم، وسعوا بذلك لتغيير الأنظمة السياسية القائمة في بلدانهم من أساسها. وهكذا اصطبغت الراديكالية بصبغتين مغايرتين، صبغة رجعية معادية للتقدم والتغيير تتمسك بالقديم دون تجديد، وأخرى تسعى إلى التغيير الجذري للحاضر والقديم لصالح أفكار وآراء جديدة، ثم اصطبغت هذه الكلمة بصبغة ثالثة، فأصبحت بمعنى التطرف والإرهاب، وأطلقت على الجماعات المتطرفة، وأصبحت في أحيان كثيرة تشير حصراً إلى بعض المسلمين، مع أن الإرهاب ظاهرة عالمية لا تنحصر في أتباع دين معين، وأصبحت أحياناً أخرى تقترن بالإسلام نفسه كدين، وتقرنه بالتطرف والإرهاب. الراديكالية مصطلح متعدد الاتجاهات، والمقارنة بينه وبين الإسلام يطرح تساؤلات مفاهيمية حول علاقة الإسلام بالتقدم والتغيير والتطرف، وهي قضايا ذات اهتمام في الفضاء الثقافي والفكري الغربي. وكون هذه القضايا تمسنا بصورة مباشرة كعالم إسلامي، فإن دورنا يتطلب أن نتفاعل بإعطاء الأجوبة الشافية، لنكون شركاء فاعلين في مد جسور التسامح، من خلال تصحيح نظرة الغير تجاهنا. رسالة الإسلام لا تعادي التقدم، ولا تدعو لإنتاج الماضي دون تطوير، أو التقوقع في قوالب جامدة، فليست راديكالية رجعية، وهذه الحقيقة خاضعة للتحقق، من خلال النظرة العادلة في عمق وجنبات الحضارة الإسلامية، فالخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدخل إصلاحات إدارية كثيرة في دولته لتواكب تطورات الواقع، بعضها مقتبس من تجارب الحضارات المجاورة. كما أن رسالة الإسلام لم تكن راديكالية ثائرة تعادي كل موجود، وتسعى لقلب الواقع رأساً على عقب، وإلغاء كل قديم مألوف، بل أسست مجتمعاً فاضلاً يستوعب كل قديم صالح، وأقر الإسلام أموراً كثيرة كانت سائدة، وعزز كثيراً من المبادئ الأخلاقية والأنظمة الاجتماعية التي كانت موجودة، فلم يلغ النظام القبلي الذي كان سائداً في الجزيرة العربية، بل هذبه ونقاه، ليستمر بقاؤه طوال هذه القرون وإلى يومنا هذا، وأما التطرف والعنف فهما في واد والإسلام في واد آخر، والتاريخ ينقل أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان من صفاته العظيمة التسامح، وأنه أعلن العفو العام عن أكثر خصومه التاريخيين عداء له وهم أهل مكة، وفي القرآن الكريم: (وإنك لعلى خلق عظيم). في القرن العشرين لعب بعض المستشرقين دوراً كبيراً في إعطاء نظرة سلبية عن الإسلام، كان من أبرزهم المستشرق البريطاني برنارد لويس، الذي كان لكتاباته صدى كبير في أمريكا والغرب، أشعلت جذوة الكراهية والعداء ضد العالم الإسلامي، واتسمت بقراءة التاريخ الإسلامي بنظرة منحازة، وعرف لويس بعد حرب 1967 بميوله الصهيونية، وانحيازه للمشروع الصهيوني في المنطقة، وتأثر بكتاباته صموئيل هنتنغتون، فنشر عام 1993 مقالته صدام الحضارات، أثار جدلاً كبيراً في أوساط منظري السياسة الدولية، وأصبح فيما بعد كتاباً بعنوان صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي، نشر عام 1996، وتعامل مع الإسلام على أنه دين عنف، وبلور العلاقة بين الإسلام والغرب على أنها علاقة عداء وصدام وصراع بقاء. المجتمعات الإنسانية اليوم بحاجة ماسة إلى تجاوز الأطروحات الصدامية، وبناء مشاريع فكرية وثقافية تتشح بالتسامح واحترام الآخر، وتؤسس معادلات تصنع السعادة المشتركة، تدعو إلى تعايش الحضارات لا إلى صراعها، والحوار لا الصدام، والتشارك لا التعارك، والتفاعل المتبادل لا الهيمنة وفرض الاستتباع الحضاري. فتنوع الهويات والثقافات حالة إنسانية قائمة منذ القدم، ومن حق المجتمعات أن تدافع عن جذورها الانتمائية وخصوصياتها الحضارية، على أن ترتبط فيما بينها بمنظومة مشتركة من التعايش والتفاعل الحيوي، فالتغاير لا يعني التناحر، والتنافس لا يعني التنازع وإفناء الآخر. إحدى الإشكاليات في فهم الإسلام هي تقييمه من خلال التيارات الإسلامية الراديكالية، وتحميل المسلمين جرائم التنظيمات الإرهابية، والعالم الإسلامي بريء من هذه التنظيمات المتطرفة، وهو أكبر المتضررين منها. sultan.aljasmi@hotmail.com