×
محافظة المنطقة الشرقية

نادي الخليج الرياضي

صورة الخبر

أزمة المياه أرخت بظلالها على حياة سكان دمشق قاطبة الذين نزح قسم منهم باتجاه الضواحي هربا من نقص المياه، بعد أن يئسوا من انتظار حل الأزمة، حيث تقول سميرة يوسف (45 عاما) وهي ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، “تركت منزلي في منطقة المزة بسبب عدم توفر المياه، وأنا الآن أسكن في منزل شقيقتي في بلدة قطنا غرب دمشق، حيث تتوفر المياه هنا”. وأضافت “لم يعد بمقدورنا تحمل الأعباء المادية المترتبة على شراء المياه حيث وصل سعر لتر الماء إلى 200 ليرة سورية”. دمشقيون يسخرون من أزمة الماء وبات لهيب أسعار المياه يؤرق سكان دمشق، حيث ارتفع سعر صندوق مياه الشرب حتى أصبح دخل الفرد في العاصمة لا يكفي لشراء حاجياته من الماء. وتقول شذا أحمد من سكان ضاحية دمر الراقية شمال غرب العاصمة دمشق والتي تعتمد بشكل كامل على مياه عين الفيجة، “لم تعد المنازل تطاق …هذه شقق سكنية وتحتاج مياها كثيرة للتنظيف… استخدمت كل الملابس الموجودة لي ولأطفالي… الأبنية السكنية في الضاحية مجهزة بخزانات مياه مشتركة لكامل المبنى، ما إن تتم تعبئة المياه حتى يفرغ الخزان… لا أحد يقتصد الكل يريد أن يخزن المياه في منزله… أصبح همنا اليوم تأمين المياه للاستخدام المنزلي”. وأدت هذه الأزمة إلى موجة سخط سرعان ما تحولت إلى سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فمنهم من قال إن الأزمة نعمة على النساء اللاتي أصبحن لا يطبخن ولا يشطفن البيت ولا يغسلن الملابس، إنها فترة نقاهة لربات البيوت، فيما قالت شابة أن تعود المياه الى مجاريها في 2017. وغرد بشار زينية عبر حسابه في “تويتر”، ساخرا، “عاجل.. تعلن مؤسسة الهواء عن قطع الهواء عن دمشق لمدة خمسة أيام فقط ومن ثم يعود الأوكسجين إلى وضعه الطبيعي”. وكتب الشاب محمد على صفحته بالفيسبوك “للمغتربين السوريين خارج سوريا، ممكن أن ترجعوا، لأنه لا يوجد شيء في البلد، لا يوجد ماء ولا كهرباء ولا بنزين ولا غاز ولا شغل، لا يوجد شيء، ارجعوا اشتقنا لكم”. وتساءل الكثير من السوريين عن المفاجآت التي تنتظرهم في دمشق، بعد ما عانوه من أزمة الكهرباء والمازوت والغاز والماء، وانتشرت رسالة على “واتساب”، مفادها “أخي المواطن لا تترك بلدك وترحل، هناك المزيد من المفاجآت، لا تدعها تفوتك، انتظرها”. حالات تسمم تقول جوليا (45 عاما) “رتبنا أولوياتنا واكتشفنا أن وجود المياه في الحمام أكثر أهمية من المطبخ، وعليه، توقفنا عن الطبخ وأصبحنا نشتري طعاما جاهزا ونأكل باستخدام أدوات بلاستيكية وورقية، ونواجه صعوبات في شرائها أيضا، بسبب زيادة الطلب عليها وازدياد سعرها ككل شيء آخر”. وعمد ذوو الدخل المحدود إلى تعبئة المياه من الأماكن العامة، لا سيما في المناطق التي لم تشهد فيها منازلهم أي قطرة ماء، ما اضطرهم للنزوح إلى أماكن أخرى. وقالت الأمم المتحدة إن أكثر المعرضين لخطر الإصابات بأمراض تنتقل عن طريق المياه في دمشق، هم الأطفال. وأكد كريستوف بوليراك المتحدث باسم صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) “يوجد قلق كبير بشأن خطر الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه بين الأطفال”. وكشف أخصائي الأمراض الهضمية في مستشفى ابن النفيس في دمشق، عكيد علي، ازدياد حالات التسمم خلال الفترة الأخيرة، وكانت أبرز أعراض تلك الحالات الإسهال والتقيؤ والدوار، وارتفاع درجات الحرارة إثر شربهم للمياه الملوثة. وقال “إن حالات التسمم الواردة إلى المستشفى ازدادت من ثلاث حالات سابقا إلى ما بين 10 و15 حالة خلال الفترة الماضية”. وأرجع علي سبب ذلك إلى شرب المواطنين المياه الملوثة وعدم التأكد من مصدرها بسبب قلة المياه التي تعاني منها العاصمة وضواحيها. ودعا المواطنين إلى شرب الماء من مصادر موثوقة كالتي توزعها المؤسسة العامة لمياه الشرب ومحافظة دمشق. ومن جانبه، اعتبر الأخصائي في الأمراض الهضمية، اليان مسعد، أن نقص المياه جعل المطاعم لا تعتني بشكل كاف بأدوات الطعام وغسيل الخضار ما أدى إلى تلوث كبير، داعيا المواطنين إلى الابتعاد عن تناول الطعام في الأسواق خلال الفترة الحالية. ورغم التحذيرات، إلا أن الدمشقيين يجدون أنفسهم مضطرين إلى اللجوء للأكل في المطاعم، لأن ذلك لا يكلفهم عناء البحث عن الماء لغسل الخضار وتنظيف الأواني للطبخ ويوفرون ما لديهم من الماء للشرب. رسالة على واتساب إلى السوريين: "أخي المواطن لا تترك بلدك وترحل، هناك المزيد من المفاجآت، لا تدعها تفوتك، انتظرها" ويقول محمد الشياح مدير مؤسسة مياه دمشق “نضخ المياه إلى العاصمة وضواحيها بموجب جدول زمني محدد… كميات المياه التي نضخها كافية بالحدود الدنيا…وتعمل صهاريج المؤسسة على إيصال المياه إلى العديد من المناطق للمساهمة في تطويق هذه الأزمة”. لكن العديد من المواطنين في عدة مناطق أكدوا أنهم لم يلمسوا شيئا على أرض الواقع، حيث أن المياه لم تصل إلى منازلهم منذ بداية الأزمة، ما اضطرهم إلى الاعتماد على حلول بديلة، حيث لجأوا إلى تعبئة مياه الشرب من الحدائق العامة، بينما استعان آخرون بالصهاريج وسيارات نقل المياه الخاصة المأجورة، لتعبئة خزانات منازلهم. ويرد المسؤول الحكومي السوري على ما يشاع عن عدم صلاحية المياه الحالية للشرب بالقول، “لا شك أن المياه الآن ليست بنقاء مياه عين الفيجة، ولكنها في المحصلة صالحة للشرب.. ولا توجد لدينا أي حلول أخرى.. فالآبار المنتشرة في دمشق هي الوسيلة الوحيدة ونعمل على استثمارها بالشكل الأمثل ريثما يتم التوصل إلى حل لمشكلة عين الفيجة”. غلاء خيالي أمام عجز مؤسسة مياه دمشق عن الإيفاء باحتياجات المواطنين، ظهرت مهنة جديدة في دمشق، حيث بدأ أصحاب الشاحنات بالعمل في نقل المياه وبيعها والتحكم بالمواطنين الذين لم يجدوا مخرجا من الرضوخ للأسعار المرتفعة، حيث تراوح سعر صهريج الماء سعة آلاف لتر بين 10 آلاف و20 ألف ليرة ما يعادل (20-40 دولارا) بحسب قدرة سائق الصهريج على التحيل واستغلال حاجة الناس إلى قطرة مياه. ويقول محمود سالم (51 عاما)، وهو موظف في وزارة الكهرباء، “أدفع يوميا ألف ليرة سورية ما يعادل 2 دولار مقابل شراء مياه لا تكفي لعائلتي المكونة من خمسة أشخاص، الوضع لا يطاق، فأنا الآن أصرف كامل دخلي الشهري البالغ 40 ألف ليرة سورية ما يعادل 80 دولارا على المياه… نريد حلا لهذه المأساة… لا أدري كيف ولكن نريد حلا لا دخل لنا بخلافاتهم واقتتالهم”. مياه صالحة للشرب بسعر الدواء وعمد أغلب المواطنين في المناطق التي تصلها مياه، حسب الجدول الذي وضعته مؤسسة المياه، إلى اتباع سياسة التقشف في جميع الأمور المنزلية من طبخ وغسيل واستحمام، وأصبح اعتمادهم على المياه للأشياء الضرورية. واستغل بعض العاطلين عن العمل حاجات المواطنين إلى بيع المياه بأسعار السوق السوداء في شوارع دمشق، كما أصبحت “حمامات السوق” ملجأ للاهالي بعد أزمة المياه، في وقت أصبحت المطاعم ومحلات الوجبات السريعة تعج بالمواطنين، لعدم القدرة على طهي الطعام في منازلهم نتيجة نقص المياه، كما زاد الإقبال على شراء الصحون البلاستيكية التي تستعمل مرة واحدة ولا تحتاج إلى الغسيل. وتطورت الأوضاع إلى تأجير بعض الفنادق غرفة لديها بغرض الاستحمام، بأسعار بحدود 2500 ليرة لغرفة في أحد الفنادق ذات الخمس نجوم، بينما تحول حمام السوق الذي كان يوما من طقوس دمشق إلى ملاذ للمواطنين للاستحمام، حيث يقول أبوسومر (50 عاما) تعليقا على مشهد الازدحام في حمام الباشا “آخر ما توقعناه أن نخسر مياه الفيجة، وأن نحارب للحصول على دور للاستحمام”. ويقول إبراهيم جاسم من محافظة الحسكة (شمال شرق سوريا) “وصلت إلى دمشق منذ أيام وكالعادة توجهت إلى أحد الفنادق، ولكن فوجئت بموظف الاستقبال في الفندق يسألني ‘هل تريد غرفة بحمام؟’، وتلك سعرها أغلى إلى حد يصل إلى 70 بالمئة عن الغرفة التي هي دون حمام، وهذه لأول مرة تحصل في حياتي التي تجاوزت النصف قرن”. ويقول علي سليمان (40 عاما) وهو من سكان منطقة البرامكة “الوعود لا تكفي، المواطنون يتصارعون على المياه ويتسابقون للحصول على مياه للشرب بأي سعر كان. كنا نعاني من أزمة الكهرباء والمازوت والبنزين والغاز، والآن انضمت المياه إلى القائمة، وتصريحات المسؤولين لدينا لم تعد تقنع أحدا”. ويضيف “نعرف تماما أن حل الأزمة بين للأطراف يناقش خارج البلاد الآن، ويجب التفاوض عليه مع أطراف إقليمية وربما دولية، ولكن هذا لا يقنعنا نحن كمواطنين، نريد ماء بأي ثمن بعيدا عن حسابات السياسة والأعمال القتالية”. وتبقى الحلول غير واضحة المعالم، حيث أصبحت أزمة المياه وكيفية تأمينها، هاجسا يؤرق سكان العاصمة، فالحديث عن هذه الأزمة بات يوميا، معربين عن معاناتهم جراء الأزمة وسط صعوبات من أجل تأمين أكثر الأساسيات ضرورة للحياة. :: اقرأ أيضاً الصحافة تبحث عن وظيفة على مواقع التواصل الاجتماعي