أفضت التظاهرات المحدودة التي نفذها شباب عمانيون عام 2011 للمطالبة بفرص عمل ومستقبل اقتصادي أفضل، إلى شروع السلطات في تنفيذ مهمة قد تلبي مطلباً رئيساً هو محاربة الفساد. وقال الأمين العام المساعد السابق في مجلس الشورى العماني أحمد المخيني، إن حملة الحكومة تلبي في جزء منها المطالب الشعبية، وتهدف إلى القضاء على الفساد في الهيكل الحكومي وزيادة قدرة الاقتصاد على المنافسة بنزاهة وشفافية وحرية. وتطبق عُمان الإصلاحات بحذر، ومنها التوسع في سلطات مجلس الشورى، بينما تؤكد منظمات حقوق الإنسان أن السلطنة مازالت تقيد حرية التعبير وتخضع الصحافة لسيطرة الدولة. وفي أول رد فعل على احتجاجات شباط (فبراير) 2011، أجرى سلطان عُمان السلطان قابوس بن سعيد تعديلاً وزارياً وتعهد بإيجاد 50 ألف فرصة عمل. ومنذ ذلك الحين انصب اهتمام السلطات على مكافحة الفساد وتعزيز القوانين عبر تقوية سلطات هيئة الرقابة التابعة للدولة للتحقيق في الحالات المثيرة للشبهات وتحويل عدد من الموظفين الحكوميين والمسؤولين التنفيذيين في القطاع الخاص إلى التحقيق، كما صدرت أحكاماً بالسجن على نحو 30 شخصاً لمدد تراوح بين سنة و23 سنة. وطلبت الحكومة من الموظفين الحكوميين الالتزام بشروط الإفصاح المالي ووقعت اتفاقاً مع الأمم المتحدة لمكافحة الفساد يضع إطار عمل للمؤسسات المحلية على صعيد صوغ القواعد واللوائح التنفيذية. وأكد محللون أن تلك الخطوات من بين مؤشرات الى أن الحكومة تصغي الى مواطنيها في أعقاب الاحتجاجات. وقالت خبيرة الشرق الأوسط في «تشاتام هاوس» جين كينينمونت: «أخذ السلطان قابوس إجراءات عدة لمعالجة بعض الشكاوى التي عبر عنها المحتجون، والحملة الحالية على الفساد تبدو في هذا الإطار». وأكد خبراء أن على عُمان بذل مزيد من الجهد لتمكين المؤسسات التي ثبت أنها ضرورية لحملات مكافحة الفساد في دول مثل إندونيسيا وهونغ كونغ، وتأمين التمويل الكافي لها. وقالت مديرة التواصل والعلاقات الخارجية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «منظمة الشفافية الدولية» أروى حسن: «هذه خطوات جيدة، ولكن الطريق مازال طويلاً». طمأنة المستثمرين وفي حال نجاح الحملة، تأمل الحكومة ألا تقتصر النتيجة على الإشادة في الداخل والخارج بل طمأنة المستثمرين الأجانب حول سيادة القانون في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 3.9 مليون. ويخشى بعض رجال الأعمال من آثار سلبية في المدى القصير على الأقل، إذ قد يتردد المسؤولون في إبرام عقود مرتبطة بالحكومة بسبب التبعات القانونية المحتملة، ما قد يؤخر مشاريع استثمارية. واحتلت عُمان المركز 61 على مؤشر الفساد لعام 2013، ما عزاه بعض العمانيين إلى السماح لمسؤولين حكوميين بالجمع بين مناصبهم ومواقع في شركات خاصة، وما يفرزه ذلك من احتمال تضارب المصالح في العقود الخاصة بالمشاريع العامة. وكشف المخيني أن «النيابة صدمت على ما يبدو من حجم الفساد الذي اكتشفته خلال العام الماضي، وما ظهر ليس إلا قمة جبل الجليد، والنيابة مازالت تأمر بالقبض على أفراد وتحقق معهم». وأفاد مصدر حكومي بأن مفتشي الحكومة يستهدفون الفساد في قطاعي الطاقة والمقاولات في إطار حملة لمكافحة الفساد بكل أشكاله وبما يتماشى مع نتائج تحقيقات قضائية مستقلة. وكُشف أولى القضايا عندما أبلغت السلطات السويسرية السلطنة بوجود ودائع مريبة بعشرات الملايين من الدولارات، ما دفع عُمان إلى بدء تحقيق فوري وتعاونت مع السلطات السويسرية عن كثب، ما أفضى إلى إدانة الرئيس التنفيذي لـ»شركة النفط العمانية» أحمد الوهيبي بقبول رشى بلغت قيمتها ثمانية ملايين دولار، وإساءة استغلال منصبه وتبييض أموال، ليصدر بحقه حكم بالسجن لمدة 23 سنة. وأظهرت الإجراءات القضائية في قضية واحدة على الأقل أن الفساد قد يكبد البلاد كلفة مباشرة باهظة، ففي قضية نظرت في كانون الثاني (يناير) الماضي، أدين مسؤول في وزارة المال بالرشوة وصدر ضده حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة مقدارها 600 ألف ريال (1.56 مليون دولار). وأظهرت وثائق المحكمة أن شركة تركية طلبت تعويضاً بنحو 183 مليون دولار بعدما سحب منها عقد قيمته 743 مليون دولار ومنح لمقاول عُماني. وتشجع هذه التطورات المحللين العمانيين، ولكنهم لا يتوقعون تغييرات كبيرة قريباً، فعُمان فقيرة في منظمات المجتمع المدني، التي يمكن أن تضغط على السلطات من أجل تحرك فعال. ولم توقع السلطنة بعد اتفاق مكافحة الرشى التابع لـ»منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، والتي تصفها منظمة الشفافية الدولية بأنها معيار رئيس لتجريم رشوة الموظفين الحكوميين في الصفقات الدولية. وقال رئيس «الجمعية الاقتصادية العمانية» محمد الحارثي، وهي من منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز التنمية الاقتصادية في عُمان: «ثمة هيمنة على القطاع الخاص في السلطنة(...) والمسؤولون التنفيذيون في الشركات من كبار المسؤولين في الدولة، ومن غير المــنطقي توقع التغيير بين ليلة وضحاها». عُمان