لا نحتاج أن نذهب بعيداً في الاستدلال على أن نظم التعليم التقليدية لا تجدي نفعاً لدى جيل هو أذكى من ذلك، فأطفال اليوم لا يمكن استيعابهم وتعليمهم بأساليب التعليم التقليدية، ومتى ما استطعنا أن نستوعب أهمية تقنية المعلومات ومهاراتها، وتأكد لدينا أن الوقت قد حان لاستخدامها وتسخيرها لتكون في جميع مراحل التعليم، وأن أدواتها تساهم في صنع المعرفة في مختلف جوانب الحياة؛ حينها سنعيش في مجتمع يحيطه الذكاء من كل جانب ويشع أفراده إبداعاً وتحكمه حوكمة ذكية ويجني اقتصاداً ذكياً. وعندما نتتبع تاريخ تطور التعليم والتعلّم يتجلى لدينا بوضوح تطور عديد من مجتمعات التعلم التي استطاعت أن تجمع بين المعلم والطالب -مصدر المعلومة ومتلقيها- من غير مبانٍ أو قاعات تضمهم؛ فالبعد المكاني لم يكن عائقاً لدى جامعات الغرب في السبعينيات الميلادية، بل كانت ترى أن البريد العادي كافٍ لنقل المعلومة إلى الطالب، فساعي البريد كان حلقة الوصل بما يحمله من كتب ومواد تعليمية على هيئة أشرطة فيديو وتسجيل ليعود مرة أخرى بالوثائق وملفات الطالب ورسوم الدراسة، وكانت تلك الجامعات تشترط فقط أن ترى وجه الطالب مرة واحدة فقط لأداء الامتحان النهائي ليحصل على شهادته بعد اجتيازه بنجاح. في الثمانينيات الميلادية، بدأ التطور التدريجي ليختفي ساعي البريد وتحل محله القنوات التلفزيونية والكوابل، وكانت الـ (BBC) البريطانية هي الرائدة في هذا المجال في تلك الحقبة، ومع بداية الألفية الثانية لم يعد هناك حاجة لرؤية الطالب حتى ولو لمرة واحدة، فالانفجار المعرفي والزخم الهائل لوسائل الاتصال جعلت الكثير من المؤسسات التعليمية تتجه لبناء منظومة ذكية للتعليم، فالبريد الإلكتروني حل محل البريد العادي، وبلمح البصر ومن بداية تقديم الطالب على الجامعة وعملية القبول إلى دفع الرسوم، وتسجيل المواد إلى التواصل مع المعلم بالصوت والصورة للاستماع إلى المحاضرة، وتوجيه الأسئلة والاستفسارات، والدخول في حوارات ونقاشات.. كل ذلك بفصل تفاعلي ذكي وخدمة متكاملة للتعليم عن بعد. ومن هنا يتضح أن التطور التقني الذي صاحب عمليات التعلّم، والتكنولوجيا وتطورها أطلق روح الإبداع ودفع بمكنون النفس عن التعبير دون قيود، وسهل عمليات حفظ المعلومة وتخزينها واسترجاعها في أي وقت، وجعل من تعلّم الشيء ومعرفته قيمة عالية وسهلة. ما سبق وغيره الكثير، والذي عجزت عنه النظريات التعليمية السائدة في تعاملها مع التقدم المأهول كان في الوقت ذاته هو الطريق لبداية ظهور النظرية الاتصالية، التي سنتحدث عنها بإسهاب في المقال القادم بإذن الله.