لا شك أن روسيا دولة متميزة ، متميزة بتاريخها وتراثها وحضارتها وثقافتها ، وأيضًا بانتصاراتها التي كان الجنرال جليد يلعب فيها دورًا كبيرًا، فهذا الجنرال العتيد هو الذي قهر هتلر ومن قبله نابليون بونابرت . وروسيا الحديثة تميزت باعتلائها عرش الأدب والفن والموسيقى في أوروبا ، فالأدب الروسي الحديث بدءًا من تشيكوف وتولستوي وديستويفسكي وجوركي وحتى باسترناك وسولجنستين هو الأكثر ثراءً وعمقًا من بين الآداب الأوروبية الحديثة ، وتتصدر روسيا دول أوروبا في فن الباليه والموسيقى الكلاسيكية حيث تحتل فرقة البولشوي وفرقة كيروف المرتبة الأولى بلا منازع في فن الباليه على مستوى القارة الأوروبية ، فيما يتصدر موسيقيوها تشايكوفسكي وكورسيكوف ورحمانينوف صفوة عباقرة الموسيقى الكلاسيك في أوروبا . الروس أيضًا رواد في مجال الأبحاث الفضائية فهم أول من أطلقوا قمرًا صناعيًا ، وأول من أرسلوا كلبة إلى الفضاء ، وهم رواد في أشياء أخرى كثيرة، لكنهم ابتلوا بالحكام الطغاة بدءًا من حكم القياصرة حتى ستالين الذي يقال انه قتل 30 مليونًا من شعبه. من حسن حظ بوتين أن صعود أسهمه تزامن مع هبوط أسهم خصمه اللدود باراك أوباما ، خاصة بعد أن بدا من الواضح أن واشنطن تخسر حتى الآن معركة سوريا وأوكرانيا في آن . عندما حكم يلتسين روسيا بعد أن تسبب جورباتشوف المثير للجدل من خلال البرويستيكا والجلاسنوسيست في انهيار الاتحاد السوفيتي ، لم يكن أحد قد سمع بعد بفلاديمير بوتين الذي كان أحد وزرائه المهمشين ، لكن نجمه لم يلبث أن بدأ بالصعود لتزداد معه شعبيته وبشكل متسارع منذ بداية العام 1999 ، بدءًا من تعهده بإعادة الهيبة لروسيا وشن حرب ضارية على الشيشان. وقد أتاحت له تلك الشعبية تحقيق نجاح مريح في الانتخابات التي أجريت في ديسمبر من ذلك العام ليصبح سيد الكرملين بلا منازع. والحقيقة ان بوتين ظل الحاكم الفعلي لروسيا حتى عندما تولى رئاسة الوزراء ، ولم يقدم ميدفيديف (2008-2012) على مدار ولايته الرئاسية سوى تعديل الدستور لتمديد فترة حكم رئيس الدولة من 4 إلى 6 سنوات تمهيدا لعودة بوتين إلى عرش الكرملين. ربما أن القليلين بإمكانهم معرفة ما يدور في رأس بوتين بعد ضمه شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي ، لكن سيفترض أن البعض قد يطرح السؤال : هل يطمح الرجل الذي يوصف بأنه أقوى سياسي في العالم إلى إعادة تشكيل إمبراطورية الاتحاد السوفيتي ؟ .. وهل لديه مخطط مواز لتغلغل جديد في منطقة الشرق الأوسط ؟ الواضح الآن أن بوتين الذي وصفه الرئيس الأوكراني المؤقت بأنه هتلر جديد ، يقتنص الفرصة المتاحة له في الوقت الراهن بسبب تردد الإدارة الأمريكية ، لإعادة النفوذ إلى روسيا بدءًا من سيطرتها على ممرات المياه الدافئة التي تربط ما بين سياستيبول وطرطوس . وهو في طريقه لخوض المزيد من هذا النوع من المغامرات غير المحسوبة قد لا يعي أنه يلعب لعبة تعتبر الأخطر في ألعاب القمار : الروليت الروسي !..