عندما نتحدث عن «الحوار الوطني».. يجدر بنا القول إن الحوار الوطني ارتبط بعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز.. ففي عهده تعرفنا على الحوار الوطني وانتشر مفهومه وانطلقت اللقاءات الوطنية التي جمعت نماذج وطنية من مختلف أطياف المجتمع وفئاته جبنا إلى جنب مع بعضهم البعض يتناقشون ويتحاورون في مناخ وطني إيجابي مثمر. ولقد توج اهتمام الملك عبدالله بالحوار الوطني بإنشاء تنظيم مؤسسي متمثل في «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني». وليس من الإنصاف القول بأن المركز لم يقدم شيئا.. بل إن الواقع يشهد بأن المركز قدم العديد من البرامج ونظم الكثير من اللقاءات المثمرة.. وخرج من دائرة المركز الضيقة إلى رحاب امتداد الوطن.. فنظم العديد من البرامج واللقاءات الحوارية الوطنية في مختلف مناطق المملكة.. مع الأخذ في الاعتبار أن المركز ليس جهة تنفيذية. ولكن يظل ما قدمه المركز منذ إنشائه قبل عشر سنوات وحتى الآن دون مستوى التطلعات والطموحات.. ولهذا فلقد أحسن المركز صنعا بتنظيمه لقاءات مصغرة في مختلف مناطق المملكة لمناقشة مسيرته.. رغبة من القائمين عليه في التعرف على الإيجابيات والسلبيات ومن ثم استشراف مستقبل المركز. ولقد تشرفت بالمشاركة في اللقاء الوطني الثالث الذي عقد في المدينة المنورة قبل نحو العشر سنوات.. وسعدت كثيرا بالمشاركة وتعلمت من الأفكار والنقاشات التي دارت داخل جلساته وعلى هامشه وتعرفت على شخصيات قديرة من مختلف مناطق المملكة. ولكن ذلك اللقاء ربما يكون آخر اللقاءات «الساخنة» !! فما تبع من لقاءات كان أقل توهجا.. وربما يحتاج المركز إلى مراجعة أسباب ذلك التي قد تكون متمثلة في الأسلوب المتبع في النهج التنظيمي.. أو ربما في الحضور الإعلامي. كما تشرفت بالمشاركة في اللقاء المصغر الذي نظمه المركز في مدينة جدة يوم الخميس الماضي وشارك فيه نخبة من المفكرين والمثقفين. وكان التنظيم كعادة المركز متكاملا.. كما أن برنامج اللقاء ومحاوره ومواضيعه الرئيسية كانت قد أرسلت مبكرا للمشاركين. ولقد اكتشفت من خلال اللقاء عدم وجود «خطة استراتيجية» لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. وهذا قصور ينبغي أن يعالج في أسرع وقت ممكن.. ذلك أنه لا يمكن لجهة مؤسساتية أن تنطلق في مسيرتها دون أن تكون لها خطة استراتيجية تبين لها رؤيتها وتؤصل لها رسالتها.. وتحدد أهدافها الاستراتيجية. لا نريد رؤية ورسالة تكتب أسطرها من على المكاتب.. نريد رؤية ورسالة مبنية على دراسة استراتيجية.. ونريد أهدافا موضوعية عملية وليست أهدافا في شكل أمنيات بعيدة المنال!!. كيف يعرف المركز إلى أين هو ذاهب وماهي رؤيته وأهدافه ورسالته وبرامجه ومحاوره الاستراتيجية.. إذا لم تكن له خطة استراتيجية شاملة ؟!. الشيء الآخر هو قصور المركز في الجانب الإعلامي.. في وقت يتوجب أن يكون الإعلام شريكا استراتيجيا.. ذلك أن الوسائل الإعلامية المختلفة سواء كانت التقليدية أو وسائل الإعلام الجديد بمختلف قنواته.. يمثل أهمية استراتيجية.. باعتبار أن وسائل الإعلام هي قنوات فاعلة لتواصل المركز مع المجتمع. ولقد كان من الملفت أن اللقاء الذي عقد في جدة كان خاليا من وجود مندوب لأي وسيلة إعلامية.. وبالتالي جاءت التغطية الإعلامية اللاحقة للمناسبة نمطية تقليدية غير جاذبة للقراءة والمتابعة!!. الملاحظة الأخيرة هي أن المركز بحاجة ماسة إلى التفاعل مع الجامعات.. فالجامعات هي صروح مهمة في المجتمع.. تضم مئات الآلاف من الشباب الدارسين.. فمن خلالها يستطيع المركز السعي لنشر ثقافة الحوار بينهم.. إضافة إلى الاستفادة من الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة في الجامعات.. وأخيرا، أقول إن القائمين على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وفي مقدمتهم معالي الاستاذ فيصل المعمر عودونا على صراحة الطرح الهادف البناء.. ومن هذا المنطلق آمل تقبل ما أشرت إليه من ملاحظات جاءت من منطلق حرصي على مسيرة متألقة للمركز بمشيئة الله تعالى.