لا شك أن الضمير الحي هو الأساس في جميع التعاملات الإدارية والمالية والإنسانية، أما في حالة موته فإن أي نظام أو تنظيم سيظل حبرا على ورق ما لم يصاحب تطبيقه صرامة وعقاب وحزم وقوة ومتابعة مستمرة وعدم استثناء في التطبيق والتنظيم. أقول قولي هذا بعد تجربة إدارية دامت نحو أربعة عقود في مجالات شتى، وعلى سبيل المثال فإن الدوام الرسمي الذي يبدأ في الساعة السابعة والنصف صباحا وينتهي في الساعة الثانية والنصف ظهرا قلما يحفل به الموظفون والمديرون ناهيك عن أصحاب المراتب الكبيرة، وحتى إن تم الاهتمام بالدوام شكلا فإنه لا يتم به موضوعا، وإن وجد من يفعل ذلك فإنه يتميز بسلوكه وإنتاجه عن غيره ويصبح موضع مدح وقدح في آن واحد، فمن يعجبهم الانضباط يمدحونه ومن لا تعجبهم إلا الفوضى والتسيب يقولون فيه أكثر مما قال مالك في الخمر! وكان من أشكال تنظيم الدوام الرسمي أن يوقع الموظفون على دفتر الدوام عند دخولهم وخروجهم ويكتبون أمام خانة الوقت ساعة الحضور والانصراف، ولكن الشطار منهم وبتعاون أثيم مع المدير أو رئيس القسم، يكتبون أسماءهم في صفحة اليوم التالي عند خروجهم في نهاية الدوام ويزعمون أنهم جاؤوا قبل الجميع مع أنهم يكونون في المقاهي أو المطاعم لتناول الإفطار الشهي من كبدة وتقاطيع أو فول ومعصوب أو طعمية ومهلبية ليصلوا للإدارة نحو الساعة التاسعة متخمين بينما أسماؤهم في الدفاتر تشير إلى أنهم حضروا في الساعة السابعة!؟ ولما أرادت بعض الجهات الإدارية ضبط هذه المسألة ألغت عملية التوقيع وحولتها إلى كروت وساعة دوام وجعلت لكل موظف كرتا يدقه عند الدخول وعند الخروج فتسجل الساعة وقت دخوله وخروجه، ولكن بعض الموظفين راحوا يتعاونون على الإثم والعدوان فيتصل الواحد بزميله ويقول له: هل وصلت للإدارة تكفى دق كرتي معك ثم ينام حتى العاشرة وكرته مدقوق والساعة تسجل أنه حضر في السابعة والنصف، ومثل ذلك قد يحصل في الخروج، وأخيرا طبق نظام البصمة لمنع التحايل على الكروت فأصبح لزاما على جميع الموظفين الحضور في أول الدوام لوضع البصمة في الجهاز ولكن لا أحد يضمن بقاءهم وعدم خروجهم أثناء الدوام أو استغلالهم لساعات الدوام في الإنجاز والعمل والإبداع لاسيما إذا كان المشرفون عليهم من «جنب القدة» وكانت ضمائرهم ميتة أو مريضة.. ولكن الله فوق الجميع!.