النسخة: الورقية - دولي نعم يكفي «يسقط» واحدة للتعبير عن فحوى الهتاف، لكنها تتكرر في الهتاف الواحد مرتين من أجل الوزن والإيقاع والتشديد على المطلب: «يسقط يسقط حسني مبارك»، أو «يسقط يسقط حكم العسكر»، أو «يسقط يسقط حكم المرشد». في الموجتين الثوريتين، في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 و30 حزيران (يونيو) 2013 كانت الهتافات على ذلك النحو.. الآن الإخوان عادوا ليرددوه، لكن حين يشعرون أن الناس غير مقتنعين بأن مصر يحكمها العسكر يلجأون أحياناً إلى هتافات وشعارات أخرى كـ «السيسي قاتل» فيصرخون بها ثم يكتبونها على الجدران، وعندما يجدون من حَوَّلها إلى السيسي مقاتل» يعودون إلى صيغة: يسقط يسقط مجدداً وهكذا. يسأل بعضهم عن حشود الإخوان وما إذا كانت الجماعة، تحت وطأة الضربات المتلاحقة، فقدت قدرة الحفاظ على زخم التظاهر، لعل وعسى أن يقتنع العالم الخارجي أن حكماً ديموقراطياً قد خُلِع ورئيساً شرعياً قد عُزِل وظلماً على الإسلاميين قد مُورس، ويسأل آخرون عن هؤلاء «الإخوة» و»الأخوات» الذين مازالت الجماعة تحركهم في تظاهرات الجمعة، أو يلبون النداء للتجمع في أماكن بعينها في أوقات محددة، وما إذا كانوا بالفعل يصدقون أن الدكتور محمد مرسي سيعود، وأن الجيش سيهزم، وأن الشعب سيصحو من غفوته!؟ ويعتقد كثيرون أن الإخوان ماضون في الطريق الذي اختاروه لأنفسهم إلى النهاية، وأن سنوات مقبلة ستطول ستظل فيها أعداد من الجماعة تتجمع بعد صلاة الجمعة حول المساجد وبالقرب من الميادين لتتظاهر، أو لتقذف الشرطة والجيش بالطوب والحجارة والمولوتوف. والمؤكد أيضاً أن هناك فئات أو قوى سياسية لا يعجبها حال البلاد الآن أو الحكم الموقت، ويرفضون ترشيح المشير عبد الفتاح السيسي، لكن ذلك لا يعني أن هؤلاء يَقْبَلون بحكم الإخوان مجدداً، فالإخوان أنفسهم قطعوا كل الخيوط التي كانت تربطهم بقوى أخرى تعارضهم فكرياً، لكن لم تكن ترفض وجودهم وصارت الآن لا تقبل بأي حال دوراً سياسياً مستقبلاً للإسلاميين عموماً وللإخوان خصوصاً. والمؤكد أخيراً أن تظاهرات الإخوان لم تعد تمثل مظهراً احتجاجياً يدعو الناس إلى الانتباه مثلاً إلى أخطاء الحكم أو حتى ظلم وقع على مرسي وجماعته وإنما ممارسات عنف ضد الدولة بكل مكوناتها هدفها إفشال الحكم، ومعاقبة الشعب وتحريض الغرب، وكلما وجد الإخوان أنهم اخفقوا زادوا من العنف، فجعلوا انضمام فئات أخرى لهم أمراً مستحيلاً، لكن الأخطر على الجماعة أن سلوكها وطريقة إدارة الأزمة ونشاط شبابها وأعضائها وحتى نسائها يرسخ المخاوف لدى قطاعات الشعب من أن عودة «هؤلاء الناس» إلى الحكم لن يعيد مجدداً مشاهد مذرية كحصار أعضائها للمحاكم أو المؤسسات الرافضة لحكمهم فقط، كما كان يحدث أثناء فترة حكم مرسي، وإنما ستكون هناك تصفية للحسابات مع المعارضين أو قل: تصفيتهم. تظاهر الإخوان وهم في الحكم دون هتاف «يسقط يسقط» الذي كان معارضوهم يستخدمونه: «يسقط يسقط حكم المرشد» وبقدر مخاوف معارضيهم خصوصاً بعد رصد علاقة الإخوان, ولو بصورة غير مباشرة، بجماعات العنف الديني كـ «أنصار بيت المقدس» أو غيرها، وملاحظات الباحثين والمتخصصين عن اتساق أهداف الإخوان مع التنظيمات الإرهابية فإن المؤكد أن جموع الإخوان الغاضبين المتعصبين الآن سيتحولون إلى حمائم مع الجيش والشرطة والحكم الجديد في مصر، حتى بعدما يصبح السيسي رئيساً، إذا ما صدرت لهم الأوامر من قادتهم بتحويل البوصلة، وإذا وجد قادة الجماعة أن مصلحتهم في التحول، أو إذا نالوا مطلباً يرضيهم ضمن صفقة أو صلح أو تسوية. تناقضات الإخوان مع الأنظمة على مدى عقود أوصلت الجماعة إلى العنف، لكنها في كل مرة تمتلك القدرة على التحول والتواؤم مع النظام التالي، وإسقاط «يسقط يسقط» لتحل محله شعارات التسامح والاستكانة. انتظروا مصر بعد إتمام خريطة الطريق، وانتظروا الإخوان أيضاً.. ستتغير مصر.. وكذلك الإخوان.