سهل الحضور المعلن الرأي العام السعودي في مواقع التواصل الاجتماعي على صانع السياسة الإعلامية مهمة التخطيط لإنتاج القضايا والأحداث والسياسات التي تسمى واقع الجمهور السعودي، فانتهى زمن الاجتهادات التي تصيب وتخطئ، فالحقيقة الحاضرة لاتقارن بالحقيقة المتوقعة، فلا توجد قضية أو حدث له علاقة باحتياجات الناس إلا ولها مضمون مشاهد يصفها إعلامياً ويقيس توجهات الجمهور حولها. والمتابع لحركة تشكيل الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي يجد أنه أمام جمهور في أغلبه راشد يعرف كيف يحدد احتياجاته ويعبر عن قناعاته بكل صراحة ووضوح، جمهور أضاف قيمة وطنية لبلده في القضايا المصيرية مثل الإرهاب والفساد، جمهور يحترم قيادته ويدافع عن المكتسبات التاريخية لبلد جمع بين الإنسان والعقيدة والأرض، وشكل من هذا الجمع هوية عجز أعداؤها خلق التناقضات في مكوناتها. الشعب السعودي شعب إعلام وليس شعب نقابات أو جمعيات أو اتحادات أو أحزاب، فهو الذي يصنع رسالته ويبحث عن وجودها أو تأثيرها في المشهد العام، بنى مسرحه وقنوات أخباره بجهود تلقائية وبدون حيل مكلفة، فنجح في التأثير في ذاته فيما فشل أصحاب الإعلام المؤسسي الوصول لاحتياجاته أو قناعاته، وحتى أصحاب المدارس الفكرية والاديولوجيات المضللة، فشلوا للوصول للتأثير في قناعاته، فعندما اعتقدوا أن الحضور بين صفوف الجمهور يجعل منهم قادة لهذا الحضور تجاوز دعواتهم بكل سهولة ومضى حيث البساطة والوضوح والولاء للوطن. مقدمو الخدمة الإعلامية المؤسسية يجب أن يعترفوا في فشلهم لكي يحددا من واقع خسائرهم المادية ويوفروا الجهد والوقت، فحقيقة واقعهم الإعلامي تقول إن ما ينتج في مؤسساتهم غائب تماماً ومنسحب من قناعات الجمهور، حتى أعضاء تلك المؤسسات لا يشاهدون إنتاجهم. فالسياسة الإعلامية كتبها الجمهور السعودي بكل حرفية ووطنية، وبلغة تأثير متجاوزة كل جهد مؤسسي بيروقراطي تأثيره في إهدار الميزانيات والجهد والوقت، واقع الإعلام السعودي لا يحتاج مراجعة وتقويماً بل إلى شيء آخر، إلى بناء على قواعد جديدة بعيداً عن عبقرية التجارب والإدارات السابقة، فمن فشل في الماضي على الرغم من محدودية احتياجات الجمهور الإعلامية لا يمكن أن ينجح مع تضخم الاحتياجات. الجمهور السعودي جمهور وطني ويحتاج أن تكون مؤسساته الإعلامية مؤسسات وطنية، وليس مؤسسات للاستنفاع الخاص وإنتاج نجوم منطفئين إبداعياً، فإعادة إنتاج الغباء غباءً والغباء بضاعة البلهاء والمنكسرين. وحدها الصحافة التي حافظت على وجودها بين الجمهور على الرغم من التوقعات التي رشحتها للانسحاب من واقع الجمهور الجديد، نجحت لان جزءاً كبيراً من مضمونها يكتبه الجمهور، وسمحت لإبداعاته أن تنشر بتوسع واستمرار، فلعل درس الصحافة تستفيد منه مؤسسات الصورة والصوت.