×
محافظة المنطقة الشرقية

“داعش” يفجر فندقا فى غرب الموصل لمنع القوات العراقية من استخدامه

صورة الخبر

الحسين الزاوي يتميز المشهد الدولي الراهن بكثير من الغموض وبنصيب وافر من التعقيد الناجم عن تداخل عناصر القراءة التي من شأنها تقديم أجوبة ملائمة قادرة على الإسهام في فهم التطورات الحاصلة في مناطق مختلفة من العالم. ويذهب البعض إلى أن هذا الوضع ناجم عن حالة تراجع الوضوح وفقدان البديهيات فيما يتعلق بالقواعد الأساسية المؤسسة للسياسة الدولية، الأمر الذي يؤدي بنا إلى السقوط في حالة من الضبابية المزمنة التي تبسط حجباً كثيفة من الشك حول طبيعة ودلالات المفاهيم المرجعية التي يستند إليها المراقبون في قراءتهم للوقائع. وبالتالي فإنه لم يعد من السهل، في ظل انتشار هذه الحالة من فقدان البديهيات أن نصنّف الدول بناء على أسس واضحة من القوة والضعف، بعد أن أضحت عناصر القوة متعددة من حيث طبيعتها وأشكال تمفصلها وتأثيرها في توجيه مسارات الأحداث، فقد تشعبت أنساق القوة بشكل كبير وساهم هذا التشعب في تراجع قدرتها على فرض إرادتها على الخصوم اعتماداً على سجلات تقليدية، يراهن بعضها على اختزال الصراع ما بين الدول في خانة التبارز حول القوة العسكرية بعيداً عن التطورات الاقتصادية والمعلوماتية والإلكترونية المتسارعة. إن التحولات الجديدة على مستوى المشهد الدولي، سمحت لأطراف جديدة غير تقليدية بالدخول في معترك الصراع حول امتلاك عناصر القوة التي تشعبت وأصبحت تطال مجالات ليست للقوى التقليدية القدرة على الاستمرار في احتكارها، وقد أدى انفراط عقد القوة واتساع وتنوع مجالاتها إلى إنهاك القوى الكبرى التي باتت مطالبة بتوجيه إمكانات قوتها صوب مجالات متعددة في لحظات متزامنة وفي سياقات مغايرة تزداد تعقيداً مع فقدان القوة التقليدية لامتيازاتها السابقة. وعليه فإن الأشكال المنطقية الجديدة للنسق العالمي السائد تسهم في سجن القوة وتعمل على وضعها في مواجهة غير مسبوقة مع الهشاشة والتحولات الفجائية والنزوات العابرة ومع آثار الضعف التي تخترق كل أنساق القوة على اختلافها؛ ويرى برتراند بادي أننا أصبحنا نشهد تعايشاً بين شكلين مختلفين من القوة، يتعلق الأول بمناعة وقوة الدول بالمعنى الذي كان يشير إليه الفيلسوف الإنجليزي هوبز، وهي الوضعية التي كانت تسمح لها بالسيطرة على كل خصومها الضعفاء، بينما يتعلق الشكل الثاني بالقوة التي تجري ممارستها في سياق من التبعية المتبادلة ما بين مختلف الفاعلين، ويفقد القوي في هذا السياق هيمنته المطلقة على خصومه الضعفاء، كما يفقد مفهوم سيادة الدولة الكثير من مزاياه نتيجة للترابط التركيبي الذي يميّز سياقات ومجالات التبادل ما بين مختلف الأطراف. هناك إذن تناقض واضح في سياق العلاقات الدولية الجديدة ما بين رغبة ومطالب الأقوياء وإرادة الضعفاء المتزايدة من أجل إحداث اختراقات جديدة في قواعد وأسس اللعبة السائدة، وتذكرنا هذه الوضعية في جانب بسيط منها على الأقل بجدلية العبد والسيد عند هيغل، حيث يصبح من المستحيل اختزال التناقض الناجم عن التفاعل والتوتر ما بين القوة والضعف، فكلما اتسع سياق التبادل ما بين القوي والضعيف، كلما أصبح القوي أكثر خضوعاً للسياقات الاجتماعية والسياسية التي تميّز وجود الضعيف؛ وعندما يتسع مجال هذا الخضوع فإنه يسهم في نشأة أشكال متعددة من التوتر والاحتجاج التي تخرج عن سيطرة القوي بل وتزداد هذه التوترات حدة كلما حاول احتواءها. ويمكن القول بناء على ما تقدم، إن التحوّل الحاصل فيما أضحى يسمى: سوق القوة أسهم في خلخلة التوازنات التي كانت تهيمن عليها القوى الكبرى لاسيما بعد نهاية الحرب الباردة، وسمحت هذه الوضعية لقوى الهامش أن تستثمر لصالحها مساحات جديدة من القوة على حساب القوى الكبرى، وهناك فضلاً عن ذلك عناصر قوة أخرى تبدو للبعض أنها ثانوية أو أن تأثيرها لا يتجاوز البعد الرمزي، ولكنها تستطيع أن تؤثر بشكل لافت في مجمل المشهد العام لصراع القوة، مثل المسألة الديمغرافية أو السكانية في سياق الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي التي باتت تمثل هاجس قلق متزايد بالنسبة للجانب الصهيوني، وأزمة اللاجئين الأخيرة التي شكلت تحدياً كبيراً بالنسبة لقوة وتماسك الجبهة الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي، ولعلها تكون قد أسهمت بشكل كبير في حث البريطانيين على الاستفتاء لصالح خيار البريكست. ويجب الاعتراف مع نهاية هذه الإطلالة السريعة حول تحولات القوة في العالم، أن الضباب لم يعد يلف الوضع الخاص بالقوة الصلبة فقط، فجميع المؤشرات الراهنة باتت تشير إلى أن القوة الناعمة فقدت - هي الأخرى- الكثير من عناصرها المركزية التي كانت تنفرد القوى الكبرى بالاستحواذ عليها، وبرزت إلى العلن قوى هامشية توظف لصالحها فائض القوة الناعمة الذي أصبح متاحاً للجميع بفضل الثورات التقنية والمعلوماتية. وبالتالي فإنه ومع تفاقم هذه الوضعية الجديدة من الهشاشة الكونية وتراجع البديهيات الفكرية والسياسية وحتى العلمية، بدأت القوى الكبرى تعي أن القوة التي يجري البحث عنها وتطويرها في مختلف المجالات ليست قابلة للتوسيع والتمطيط إلى ما لانهاية وأن خط المنحنى التصاعدي الذي تسير عليه له سفح ونهاية لا تستطيع أن تتجاوزهما. hzaoui63@yahoo.fr