قبل زهاء ثلاثين عاما، وفي ذروة أيام ما يعرف إعلاميا بـ"الصحوة"، خاض مجموعة من الشبان في مدينة بريدة بالقصيم مغامرة فنية شكّلت رمزية ثقافية لهم، حين أقدموا على مسرحة "تغريبة القوافل والمطر"، إحدى أشهر قصائد الشاعر محمد الثبيتي "1952-2011"، أعدها وعالجها مسرحيا صالح الصقعبي. وفي الوقت الذي يشهد فيه حفل تتويج الفائز بجائزة الثبيتي في دورتها الجارية بمدينة الطائف غدا، تقديم مشهد مسرحي بعنوان "تشويش" كقراءة مسرحية لقصائد الثبيتي، والفائز بجائزته هذا العام الشاعر قاسم حداد، من إخراج المسرحي سامي الزهراني، استعاد مسرحيون في القصيم تلك التجربة الرائدة. قراءة نقدية المسرحية التي قدمت على مسرح مدينة عبدالله بن عبدالعزيز الرياضية في بريدة، واستخدم فيها للمرة الأولى في المسرح السعودي "خيال الظل" كانت "لوحة درامية" لقصيدة الثبيتي، رافقتها دراسة نقدية للقصيدة والعمل المسرحي، عبر أوراق علمية قدمها كل من شاكر النابلسي "1940 - 2014"، والدكتور محمد صالح الشنطي، وكمال حمدي، وماجد يوسف. وقال المسرحي علي السعيد "المسرحية كانت من اخراج المصري مصطفى عبدالخالق، وإنتاج فرع جمعية الثقافة والفنون بالقصيم، والذي كان يديره في ذلك الوقت علي الخليفة، ومثّلتها نخبة من الزملاء، أبرزهم: عبدالله المزيني، صالح الصقعبي، ونفذ الديكور الفنان التشكيلي علي السعيد "أتشابه معه في الاسم"، ووضع ألحان العمل وغنّاها رئيس لجنة الموسيقى بفرع الجمعية في ذلك الوقت إبراهيم العميم، وهي موجودة كاملة على "يوتبوب" على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=B0nUZulGsYk&feature=youtu.be. قصة العمل روى الكاتب الفنان صالح الصقعبي لـ"الوطن" قصة المغامرة، لافتا، بقوله "تناولنا العمل بقفازات"، وسط أجواء احتقان في ذروة الصحوة عام 1988، وكانت القصيدة نُشرت في إحدى الصحف يومها، ثم ثارت ضجة اجتماعية على القصيدة من مناوئي الحداثة، فسحبت الصحيفة من الأسواق، استجابة لتلك الاحتجاجات، بل إن الدكتور عوض القرني، شملنا في كتابه "الحداثة في ميزان الإسلام". وأتذكر أنني مساء اليوم الذي سحب فيه عدد الصحيفة بسبب القصيدة، كنت بصحبة الدكتور شبل بدران "لم يكن نال الدكتوراه وقتها، قبل عودته إلى مصر وعمادته كلية الآداب بجامعة الإسكندرية"، وصالح الحميدان، وأحمد أبو زيد، ملأنا إعجاب العمل، ففكرنا في المغامرة. جمهور يقارب الـ600 يضيف الصقعبي، انطلقنا في إعداده لخشبة المسرح. لم "نكن نتلفت خائفين"، أذكر أننا وجدنا حماسة ودعما كبيرا من مدير فرع الجمعية حينها، علي الخليفة، فأسسنا ما يمكن عدّه معهدا مسرحيا صغيرا، درّبنا فيه الشباب، لأن الفرقة لم تكن تستوعب ماهية القصيدة الجديدة، والمسرح الحديث الجاد. وبعد مضي 7 أشهر كنا جاهزين للعرض الوحيد، والذي مر بسلام نتيجة دعم رسمي من إمارة المنطقة، عدا ما أشرت إليه من تعرضنا للذم فيما بعد في كتاب القرني . وكان من حضروا العرض الوحيد 600 شخص، ونخبة من الكُتاب والمثقفين والشعراء والزملاء العاملين في الصحافة الثقافية، يتقدمهم وكيل إمارة منطقة القصيم حينها محمد فهد السويلم، وحظي العمل برعاية أمير القصيم يومها الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز "رحمه الله" الذي استضاف النقاد المشاركين في الأمسية.