مؤسف أن البعض في المجتمع لا يبدو أنه يعطي بالاً واهتماماً لجوانب مهمة في الحياة، فإن تكلمت في أمور ثقافية يكون الرد والله لا نجد وقتاً للقراءة أو مشاهدة الرامج التلفزيونية، وإذا كان الحديث عن الأوضاع السياسية والمآسي التي تحدث في عالمنا قيل إن متابعة الأحداث والمآسي تجلب الهم والغم، وإذا كان الكلام عن الشأن العام ومشكلات المجتمع تجد الحديث قلّما يخرج عن موضوع الخدم والعمالة ومشاكلها فهو شغل الناس الشاغل، أو عن السفر والموضات والمطاعم وأحدث أصناف الحلويات وأماكن شرائها وغيرذلك من الموضوعات المملة، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، فهم في حالة تركيز مستمر على شؤونهم الخاصة وعاداتهم الاستهلاكية ولا يلتفتون إلى القضايا المهمة حولهم، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن أسباب هذا الاستغراق في الذات وكيف يمكن التعامل معه؟ قرأت في مقالة تتحدث عن قواعد يمكن الاستفادة منها في فهم الناس، إحدى تلك القواعد تفترض أنه لو قسمت أفكار واهتمامات الإنسان العادي وفق مخطط بياني لوجدتها موزعة بين ثلاثة مجالات، مجال الذات - مجال العلاقات - مجال التعاطف مع الغير – تحتل الذاتية الجزءالأكبر60%، ومجال العلاقات 30%، أما التعاطف مع الغير 10%، وبالتالي فإن الشخص العادي غالباً ما يفكر في أهدافه ومشاكله ومشاعره، وحتى في مجال العلاقات مع الآخرين فهو يركز على مدى تأثيرها عليه، أما الباقي فهو الوقت الذي يقضيه في التفكير في هموم الغير ومشاكلهم وقضاياهم. بالطبع يتفاوت البشر فيما بينهم في هذا التوزيع ممن هم خارج النموذج النمطي، فالبعض يركزعلى ذاته واحتياجاته إلى حد ما وقد يكون ذلك مقبولا طالما أنه على بينة ومدرك لذلك ويحاول أن يعطي من وقت لآخراعتباراً واهتماماً بالآخرين وبوجهات نظرهم، البعض الآخر لديه قدرة عالية على فهم الآخرين وتقمص تجاربهم ومشاعرهم وتكوين منظور واسع للحقائق يبعده عن التمركز حول نفسه ولكن هذه الفئة من البشر لسوء الحظ قليلة، ولو كانت نسبتهم عالية لعاشت البشرية بخير. ومع ذلك فإن التعاطف وتفهم ظروف الآخرين برأي المختصين فن يمكن تعلمه والتدرب عليه عن طريق: - فهم الذات لأنه الوسيلة التي تجعل الإنسان يفهم مشاعر غيره، وقبول الشخص لمشاعره أمر ضروري لحياة صحية وأساس للتعاطف مع الآخرين. - فهم مشاعر وأفكار الآخرين -القريب والبعيد منهم- من خلال الممارسة والاهتمام. - من خلال تفهم الغير يسهل التقاط مشاعرهم وتفسير تصرفاتهم والشعور بما يجول في نفوسهم حتى من مجرد النظر إليهم. لاتكتمل إنسانية الفرد إلا بالآخر، ولامعنى لوجوده إذا لم يتصل فكراً وعاطفة بأوجاع الناس وتطلعاتهم في كل مكان في الأرض.