خيري منصور عندما تتحول الأزمة سواء أكانت سياسية أم اقتصادية إلى مدار مغلق، وتتكرر المحاولات ذاتها لإيجاد حل لها، فإن أخطر ما ينتج عن ذلك هو المراوحة على طريقة محلك سر. وفي واقعنا العربي الآن هناك أزمات تشتد ولا تنفرج، ومن الناحية السيكولوجية تؤدي إلى ما يسمى الإرهاق العاطفي من فرط الانتظار. فهل هناك استراتيجيات سعت إلى هذا النمط من التأزيم بهدف التوتير النفسي والإرهاق، ما يدفع الناس إلى الانصراف عن الشأن العام إلى شؤونهم الخاصة؟ للإجابة علينا العودة ولو قليلاً إلى ما كتب في هذا المجال المتعلق بسيكولوجيا الإعلام، واختراع أساليب من شأنها أن تصيب البوصلات كلها بالعطب ويشعر الإنسان في مثل هذا التيه بأنه معلق بين السماء والأرض بقدر ما هو عالق في التاريخ. وهنا يجب الاعتراف بندرة الدراسات الجادة في لغتنا والتي تفتضح استراتيجيات التأزيم ثم المصادرة على كل ما يمكن أن نتخيله من حلول. وقد مورست هذه الاستراتيجية لعقود عدة مع الفلسطيني الذي تصور أنه عائد إلى مسقط رأسه بعد أسابيع أو شهور، واحتفظ بمفاتيح البيوت التي أصابها الانتظار لأكثر من ستين عاماً بالصدأ. والأزمات العربية الراهنة أصبحت مزمنة، خاصة ما يتعلق منها بالمشردين الذين يقضون الآن شتاء سادساً في ظروف بالغة الصعوبة. فهل المقصود بإطالة الأزمات وتحويلها إلى مدار مغلق هو أن يتأقلم الإنسان مع ظرف طارئ ويصبح الشاذ والاستثنائي هو القاعدة؟ إن تحليل هذه الظاهرة منوط بفضاء مزدحم بالقنوات، لكنه بعيد على ما يبدو عن جاذبية الواقع، ومنهمك في سجالات وتوصيفات سرعان ما تتبخر وتذهب مع الريح. ومن المؤسف والمحزن معاً أن المقاربات العلمية للمشهد العربي غير مرغوب فيها، لأن المقاربات التقليدية أدت إلى كسل ذهني وعزوف عن التحليل المعمق. والأخطر من كل هذه الأزمات رغم فظاعتها، هو ما سوف يترسب منها في المستقبل لأن المسكوت عنه منها أضعاف المسموح والمقروء. وقد أصبح من المؤكد أن الانتظار الطويل والعقيم يراكم إحباطات تدفع الناس المنكوبين بهذه الأزمات إلى اليأس واللامبالاة والعدمية.