×
محافظة المنطقة الشرقية

الشغرود: موقف المملكة واضح نحو خلو الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل

صورة الخبر

كنت يوما في بلد عربي شقيق في يوم قارس البرودة، فلحقني طفل صغير يحمل علكة لأشتري منه، لم أكن أريد الشراء، فألح علي الصبي ولكن بطريقة رقيقة أحزنتني عليه جدا، وكأنه يعرف مسبقا رغم سنوات عمره الصغيرة بأن لا أمل من إقناعي. لم يكن الطفل يتجاوز السادسة من عمره على أكثر تقدير. أعطيته مبلغا بسيطا وقلت له أشكرك فأنا لا أريـد العلكة. ولكنه ظل يلاحقني بعلبة العلكة ويترجاني بأن آخذها. وحينما دخلت إلى سيارتي وجدته يضع علبة العلكة فوق المقعد ويترجاني أن آخذها قائلا: أنتِ دفعتِ أكثر من ثمنها. مازلت أتذكر هذا الصبي إلى الآن، فرغم صغر سنه ورقة حاله الواضحة فهو يمتلك كرامة لا نراها في الكثير من الكبار في السن والثراء، ممن لا يترددون لحظة في جمع المزيد والمزيد من الأموال والممتلكات الدنيوية بطرق مشروعة أو غير مشروعة أحيانا. فهذا الطفل الذي يقضي جل يومه في الطرقات، يرفض الصدقة، فهو يعتبر نفسه بائعا وليس شحاذا يقبض ثمن السلعة في مقابل بيعها ولا يقبل بغير ذلك. تعجبت كيف أن طفلا عمره ست سنوات يتمتع بعزة النفس هذه رغم ظروفه المأساوية، وأدركت بأن الإنسان إما أن يولد بشيء أو أن يولد بدونه، صحيح أن المجتمع والبيئة والظروف تؤثـر، ولكن الطبع غلاب كما يقول المثـل. فهذا الطفل يحترم نفسه ولذا فقد أوجب على غيره احترامه. فهو لا يقبل الصدقة ولا يرى أنه يستحقها ، بل هو يمارس عملا شريفا حتى ولو كان مردوده بسيطا يستحقره البعض. فاحترام النفس ليس له علاقة بالفقر أو الغنى أو بالجوع أو بالشبع. صحيح أن الحاجة ــ أعاذنا الله منها ــ تذل الإنسان وتجعله يتنازل عن الكثير من كبريائه أحيانا، ولكن التجربة تعلمنا بأن القناعة والطمع والبخل والكرم لا تتناسب طرديا أو عكسيا دائما بالفقر أو الغنى. فهناك من الفقراء المعثرين ممن يتحرى الحلال والضمير في كسبه وتعاملاته مع الناس بطريقة تجعلنا نجبر على احترامه. وأذكر في هذا السياق مرة حينما كنت في زيارة لدولة ماليزيا الشقيقة ــ وأهلها من أطيب الشعوب وأكثرهم تبسما وبشاشة في الخلق ــ قـررت أنا ومجموعة من الأصدقاء الخروج للصيد فاستأجرنا صنارات للصيد من شخص يقوم بتأجير أدوات الصيد لديه كشك بسيط بجوار الفندق، ولكننا لم نكن محظوظين فقد أمطرت السماء يومها وبدأت عاصفة شديدة ولم نستطع الصيد. قررنا تغيير الخطة وقضاء الوقت في شيء آخر، وأعدنا الصنارات للفندق ليوصلها لصاحبها. نسينا الموضوع تماما، وفي اليوم التالي، استيقظنا لنذهب إلى الإفطار، فوجد كل منا تحت باب حجرته ظرفا فيه رسالة من صاحب الصنارات يقول فيها بأنه يدري بأننا لم نستطع استخدام الصنارات وقد وجدها كما هي ملفوفة بكيس البلاستيك الذي أغلقه بها ولذا فهو سوف يعيد لنا مبلغ الأجرة كاملا لأنه حرام أن يأخذه ونحن لم نستفد من الصنارات!. ما أجمل أن نرى المحتاج متعففا وما أردأ أن نرى المستغني طماعا. وهذا يذكرني بموقف ولكن من نوع آخر، فذات مرة كنت في مطعم للعائلات، ورأيت عائلة تجلس بأكملها لتتناول الطعام، أحضرت هذه العائلة الخادمة، ولكنهم أجلسوها بعيدا في آخر الطاولة، وأخذوا يلتهمون الطعام المعروض في البوفيه بنهم شديد ويتزايدون في ملء الأطباق بأفخر الحلويات وأطايب الأسماك وغيرها، والمسكينة تنظر إليهم وهي تشتهي الطعام بوضوح، ولكنها طوال الساعتين في المطعم لم تحظ بكوب عصير واحد!. تعجبت جدا من المنظر واستنكرته ورأيت أن الكثيرين في المطعم ــ مثلي ــ ينظرون باستنكار شديد لهذا المنظر. فحتى لو كانت الخادمة قد أكلت في المنزل قبل خروجها، فالواجب علينا كبشر وكمؤمنين بالله أن لا نكسر نفسها ونستبعدها من المائدة، وهي غريبة ديار تركت أهلها لتعيش مع غرباء تخدمهم وصارت كالأسيرة لديهم. وبالمناسبة فالمطعم من أغلى المطاعم أي من يرتاده ليس بفقير يحرص على القرش، ومن يستطيع الدفع لتسعة أشخاص يستطيع الدفع لعشرة. أم نحن نتشطر على الضعيف الغلبان فنمارس عليه كل أفكار الاقتصاد والتقشف. تباحثنا أنا ومن معي في الطاولة فكرة أن نقول للنادل بأن يأتي لها بطعام على حسابنا، ولكننا خفنا من رد فعل العائلة فواضح أنهم نوع آخر من البشر. مازال ضميري يؤنبني بأنني لم أفعل شيئا يومها. ولا أدري أصدقائي إذا ماكنتم مكاني ماذا كنتم ستفعلون؟.