منذ عشرات السنين كان الفن المصري أحد أهم الداعمين المباشرين للدولة المصرية وقت الأزمات، فكانت أم كلثوم رائدة في هذا المجال وحذا حذوها فنانون كثر. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم، هل يستطيع الفنانون بحملاتهم وحفلاتهم مواجهة التحديات التي يعانيها المجتمع المصري؟ كانت أم كلثوم إحدى أهم الشخصيات الفنية الداعمة للدولة المصرية، فوقفت إلى جانبها في المحن والشدائد، وتبرعت بالأموال لإعادة إعمار مدينة بورسعيد ومدارسها في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر، كذلك رفعت بعد هزيمة 1967 شعار دعم المجهود العسكري من خلال مجموعة حفلات بدأتها في عدد من محافظات مصر قبل أن تنطلق إلى عواصم العالم، وأبرزها حفلتها في باريس إذ حصدت أكثر من 200 ألف جنيه إسترليني، وجهتها سيدة الغناء العربي لتسليح الجيش المصري آنذاك، ونادت كل فناني مصر أن يحذوا حذوها. سار على نهجها أيضاً العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ فتبرّع في أعقاب النكسة بالكثير من أجره عن حفلاته في مصر وخارجها. وتعددت صور دعم الفنانين للدولة، فشارك بعضهم في «قطار الرحمة» و«صندوق التسليح» الذي أنشأته تحية كاريوكا لتسليح الجيش المصري. فنانو اليوم بعد اﻷزمات الاقتصادية التي عصفت بمصر أخيراً، نادى فنانون كثر بضرورة دعم جهات عدة والتبرع لصندوق «تحيا مصر» وللمستشفيات والمراكز الصحية والتعليمية، وأقام معظمهم حفلات من دون أجر لصالح هذه الجهات، أبرزها حفلة محمد حماقي والمطربة أصالة بداية هذا العام في فندق «الماسة» دعماً لصندق «تحيا مصر» وهما تمنيا على زملائهم تكرار التجربة. كذلك قدّم الإعلامي عمرو أديب مبادرات عدة أهمها دعم مستشفى أبو الريش، وفتح مزاداً على الهواء مباشرة لشراء قميص اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي وقع له عليه أثناء لقائه في البرنامج. المطرب محمد ثروت أحد المشاركين في هذا الدعم لكنه لا يحبّ الحديث عن نشاطاته كي لا تصنّف ضمن الاستهلاك الإعلامي، وأبرزها مؤسسة ثروت للأيتام التي يصل عمرها إلى 25 سنة ولها سبعة فروع ومزرعة في سيناء مساحتها 50 فداناً تهتم بتأمين مستقبل الأيتام بعد الانتهاء من دراستهم فتوطنهم في سيناء للعمل ولتصبح وطنهم الجديد. ثروت أكّد تمويله المشروع بمفرده وأنه سينفذ ما صرّح به للإعلامي عمرو أديب خلال برنامج «كل يوم» على «أون إي» ويتبرّع بأجره عن كل حفلة هدفها خيري مدى الحياة، وأنه فعلاً يقوم بترتيبات لتلك الحفلات، والبداية ستكون من دار الأوبرا المصرية خلال شهر مارس المقبل، وستتوالى الحفلات تباعاً. وأشار ثروت إلى أن نجله المخرج أحمد ثروت يدعم مصر أيضاً من خلال مجموعة أعمال توعوية حول المشكلات الاجتماعية كالتحرش، مؤكداً أنه لا بد من أن تتضافر الجهود كافة لدعم الصحة والتعليم ومجالات الحياة كافة. آراء يؤكد الناقد طارق الشناوي أن ثمة حالة من البرودة بين الفنانين والجمهور اليوم، فيما كانت أم كلثوم تثير حماسة الناس في هذا المجال، إذ كانت «بنت بلد» وتحب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، خصوصاً بعد الهزيمة، فتضافرت العوامل كافة مع الظرف التاريخي لتحقق ما أرادته سيدة الغناء. وأضاف الشناوي: «يجب أن يتمتع مقدمو هذه المبادرات من الفنانين بسمات أخرى غير الإبداع، أهمها المصداقية كما أم كلثوم». ورأى أن لا أحد من الموجودين على الساحة الفنية يملك المقومات التي كانت لدى كوكب الشرق ونظرائها قديماً، مؤكداً أنه ليس ضد هذه المبادرات بل على العكس يدعمها على أمل أن تجني ثمارها وتساهم في حل المشكلات التي تتزايد في مجتمعنا المصري. الناقدة ماجدة موريس رأت أننا عند النظر إلى اختلاف الأجيال، نلاحظ أن مطربة مثل أم كلثوم كانت نجمة آنذاك على عكس عصرنا الذي لا يحمل نجماً بحجمها، وعلى الفنانين أن يتخذوا خطوات جادة وفعلية لتأكيد مصداقيتهم فليس كافياً أن ينادي أحد بمبادرة للتبرع من دون أن تتحوّل الفكرة إلى حقيقة. تابعت: «يحيي بعض نجوم الغناء حفلات الدعم لتأكيد مصداقيته في هذا المجال، فماذا عن محمد منير أو عمرو دياب؟»، موضحةً أن على الفنانين الترويج للحفلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المختلفة لتحقيق التأثير المطلوب، علماً بأن التبرعات سابقاً كانت تجمع من خلال التجول في القطارات في مختلف المحافظات، كما قالت.