الاثنين 17/3/2014: حفريات الحب مثل علماء الآثار، نحفر في نفوسنا بحثاً عن اللقى الجواهر، لحظات الحب أو أيامه في ماضٍ طمرته أنقاض اللغة، حين تستخدم اللغة لدرء خطر ولعقد صفقات ولبيانات سياسية تموّه أفخاخاً للأبرياء. اللغة نفسها يكتبها الشاعر ويكتبها القتلة والآمرون بالقتل، فكيف لها أن تتأرجح بين البراءة ودنس الروح؟ لذلك، ربما، يكتب الشعراء بحذر، ويختارون الكلام لتفادي وجهاته الضالة والمضللة. وقد يعمد شعراء فوضويون إلى خلط الدلالة ليبعثوا برسالة إلى العالم، إن الحب والصلاة والرحمة تتجاور مع الكراهية واللعنة والتعدي، في عالم واحد تتعذّر قسمته كما حاولت عقائد شرقية اعتمدت الثنائية وآمنت بها: النور والظلام، الفضيلة والرذيلة، الرحمن والشيطان، إلى ثنائيات لن يكون لها آخر. قال صديقي إنه يمارس تمارين لتنشيط ذاكرة الحب، ويعتبرها حفراً ناجحاً في الذات، يتذكّر علاقة حب قديمة بتفاصيلها تعويضاً عن جفاف عيشه. يذهب إلى تفاصيل رئيسية وثانوية ربما لا علاقة لها بمسرح حبه القديم، كأن يتذكّر سعر صفيحة البنزين حين ملأ خزان سيارته في الطريق إلى موعد. وأكثر ما يساعد في حفريات الذاكرة، الموسيقى والغناء ومعهما الشعر، مقطع أو بيت لاستنهاض الحالة حتى في غياب الشريك. وأهم اللقى صورة الحبيبة، تكوينها حين تطل من مفترق شارع قديم أو من خلف شجرة دهرية. يحاول تحديد لون بشرتها الغريبة. يتذكر أنها بيضاء لكن الصورة غامضة أو غائمة، فالأبيض ليس لوناً لكنه أيضاً ليس واحداً. البيضاء يشوبها بعض لون الزعفران مع قليل توهج. هنا تصل الحفريات إلى علاقة الحب ذاهبة بها إلى مجال أبعد: اتصال الأعراق البشرية. الحب هو أيضاً اتصال لغتين، شعبين، وبالتحديد عرقين، في المسار الصعب لتكوين جنس بشري واحد على أرضنا الواحدة. > الثلثاء 18/3/2014: كتاب التوبة اعترافات أسعد الشفتري (أحد القياديين في الحرب الأهلية اللبنانية) وجوزيف سعادة (الآمر بالقتل والقاتل الرئيسي في السبت الأسود في بيروت أوائل الحرب الأهلية)، يمكن اعتبارها نوعاً من التوبة، على رغم اعتذار الشفتري الذي وضع الجريمة في ظروفها، وتمسك سعادة بموقفه واستعداده لجرائم جديدة إذا تكررت الظروف. لكن الاعتراف وإن مصحوباً بذرائع، هو خطوة على طريق التوبة تتطلب رحلة وجدانية تتلاقى في أحيان كثيرة مع التأمل الديني، أي مع الصلاة بالمعنى المسيحي أو الدعاء بالمعنى الإسلامي. الإنسان حيوان عاقل، تعريف يُنسب إلى أرسطو، لكنه في أحيان كثيرة حيوان قاتل يمكن أن يتحول إلى حيوان تائب، ولا تكتمل إنسانيته إلا في مثال قلّما يصل إليه الوالغون في صراعات المصالح الحقيقية - المال أو المصالح الوهمية - العقائد. على عتبة ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية في 13 نيسان (أبريل) 1975، صدرت، عن دار الجديد- بيروت، طبعة ثانية من ترجمة اعترافات جوزيف سعادة «أنا الضحية والجلاّد أنا» التي رواها فريدريك برونكيل وفريدريك كوديرك ونشرت في كتاب بالفرنسية عن دار كالمن ليفي عام 1989، وحظيت الترجمة العربية بدعم وزارة الخارجية الفرنسية في إطار برنامج جورج شحادة للمساعدة على النشر. يتمنى متابع اعترافات جوزيف سعادة بجرائمه الفظيعة أن يقرأ اعترافات مجرمين لبنانيين من أمثاله نالهم العفو العام عن جرائم الحرب من دون أن يسمّيهم، لكنهم يشيرون إلى أنفسهم في عثرات الكلام السياسي الذي يصل إلى حافة الجريمة وفي ميلهم العفوي إلى كراهية الشريك والتحريض عليه. لم تجمع اعترافات الشفتري في كتاب، لكن كتاب جوزيف سعادة عمل شجاع لأنه الأول والأخير في مؤلفات مجرمين لبنانيين لن تصدر، لأنهم لا يعترفون. ولن نقرأ مؤلفات في منطقتنا شبيهة بكتاب سعادة، بعدما انتقلت الجريمة اللبنانية إلى العالَمَيْن العربي والإسلامي، حاملة ذرائع دينية هذه المرة، حتى إذا قُدِّر لواحد من مجرمي التطرف الإسلامي أن يكتب اعترافاته فلن تكون خطوة نحو التوبة، فهو إذ يخلط جريمته بالدين يفقد اللجوء إلى رحمة الدين تائباً. > الأربعاء 19/3/2014: أحمد الشهاوي عَبَرَ أحمد الشهاوي في شعره الصوفي مسالك وعرة، ليس فقط من معاناة وإنما أيضاً من اختلاط صوته بأصوات سالكين سبقوه، خصوصاً الكبار بأشعتهم الآسرة. الشاعر المصري كان واعياً لهذا الاختلاط، وارتضاه في دواوينه السابقة من باب الأمانة للشعرية حين تكابد فيتداخل في بوحها صوت أو أصوات، تماماً مثلما يلي الصدى صوتنا، فنظن أننا نكرر الصدى ولا نتسبب بحدوثه. مع ديوان أحمد الشهاوي الجديد «سماء باسمي» (الدار المصرية - اللبنانية في القاهرة)، يصل الشاعر إلى مقام ليجاور قطباً صوفياً فيجد نفسه هذا القطب. يجاور الشهاوي الشهاوي فيزدوج الصوت ثم يتوحدان في صوت واحد. لقد تحقق مطلب الصوفي كما تحقق مطلب الشاعر. من «سماء باسمي» هذا المقطع: «أنا الغمامُ إذا ابتَسَم/ الأصابعُ حين تحكي/ الأرضُ في الخرائط المجهولة/ العقلُ في وعيه اللاّواعي/ البابُ إذا نادَاهُ الطارقون/ رائحةُ الأنامِلِ في النسيج/ الخيالُ إذا ركبَ حصانَيْن في سرجٍ/ القلَمُ في يُتمِهِ دون ورقٍ/ بكاءُ التماثيلِ إذ تتذكّر صانعيها/ المشَّاءُ على جبلِ موتِهِ وحيداً. أنا الوقتُ في رملِهِ/ الشاطئُ التائهُ في دائرةٍ/ النومُ نائماً في كاسي/ المسافةُ بين شمسٍ وأخرى تنامُ في خيوط القميص/ المالكُ قاموساً وقلباً من كلام/ نقطةُ الماء الهاربةُ من نهرها/ كبحرَيْن يشربان دمي سهواً/ الإيقاعُ حين يخلُقُ لغةً للأصابعِ». > الخميس20/3/2014: اليوم وغداً وفق الأمم المتحدة فإن اليوم 20/3 هو «اليوم العالمي للسعادة» وغداً 21/3 هو «اليوم العالمي للشعر». السعادة أبعد من الشعر وأكثر غموضاً. قيل إنها الإحساس بالاكتفاء أو بالرضا، لكن كثيرين يعتبرونها رفاهية وسلطة وغلبة على الآخرين. وقليل من الناس يربط السعادة بالحب أو بالمحبة، في وقت صار الحب لقاء جسدين والمحبة حبل يربط أبناء القبيلة أو الوطن أو الدين. وليس هناك من سعادة واحدة، إنما سعادات بعدد البشر وهي ابنة لحظتها فلا تدوم. وقد وجد صديقي سعادته في الجلوس لساعة واحدة في مكان حنينه، حيث شجرات قليلة مطلة على واد عميق، وفي مطال يديه أثمار برية ونبات عطر لا شبيه له في دنيا الله الواسعة. «يوم السعادة العالمي» أقرّ هذه السنة، أما «يوم الشعر العالمي» فقديم، مع ذلك لم نلحظ في مناسبته سوى اجتماع شعراء في أمسيات مع قلّة من المستمعين، ولم نسمع عن تبرع بطباعة ديوان، أو جمع دواوين في مكتبة واحدة. يصدر ديوان لشاعر، وبعد سنوات تبحث عنه فلا تجده، لأن المكتبات العامة قلما تجمع هذا النوع من الأدب. وقيل إن بلداً عربياً أخطأت إدارته الثقافية فاشترت دواوين شعر، وتم تدارك الخطأ بإتلافها. لبنانآداب وفنون