ليلة الإثنين من الأسبوع الماضي انتشر في برامج التواصل الاجتماعي خبر عقد مؤتمر صحفي لوزراء المالية والتخطيط والاقتصاد والمياه والكهرباء ووزير الصحة ممثلا لـ"البترول"، كونه رئيسا لمجلس إدارة شركة أرامكو السعودية. ذكر الخبر أن هذا المؤتمر سيكون عصر الإثنين بعد إعلان الميزانية العامة لعام 2015، واستدركت أن هذا المؤتمر سيكون بديلا عن التصريحات أو اللقاءات العامة المعتادة في الأعوام الماضية، والتي كانت تتحدث عن الإيرادات التريليونية للدولة، وكيف أنها ستنعكس على "رفاهية" المواطن كما عهدناها. تساءلت تلك الليلة: ماذا سيقول هؤلاء الوزراء! الإيرادات معروفة، والعجز معروف، وقد تحدثنا عنه طوال السنة، وتنبأنا به قبل أعوام وكتبت عنه قبل 3 سنوات بالتحديد في 26 ديسمبر 2012 عند الإعلان عن تلك الميزانية، والتي كانت إيراداتها الأعلى منذ تأسيس المملكة. إذًا ما الذي سيتحدث عنه الوزراء؟ قلت لعلهم سيتحدثون عن النهوض بالتنمية وتطويرها، ولكني عدلت عن تفكيري لعدم وجود وزير التجارة والصناعة بينهم، فهو القطاع الأول المسؤول عن تطوير الصناعات والخدمات المتقدمة، فمن سيحدثنا إذًا عن تطوير صناعة السيارات والقطارات والطائرات وصناعة الأجهزة والمعدات الكهربائية والميكانيكية وصناعة التكنولوجيا والإلكترونيات، بما فيها الحواسب والأجهزة الذكية؛ لكي تولد وظائف مجدية لأبنائنا وتحقق طموحاتهم، وأيضا تزيد من الدخل لخزينة الدولة، وتنوع مصادر الدخل، وأيضا تخفض من اعتمادنا على الواردات بشكل كبير من الدول الأخرى؛ وهذا ما زاد من حيرتي في ماذا سيُقال في المؤتمر. قلت لعل وزير التخطيط والاقتصاد سيخبرنا عن التحول الوطني وكيف سيتم توليد 6 ملايين فرصة وظيفية خلال 15 عاما، وكيف سيتضاعف حجم الاقتصاد في الفترة نفسها، وكيف ستقفز مشاركة القطاع الخاص من 38 % من حجم الاقتصاد اليوم إلى 84 % بعد أن يتضاعف حجمه، أيضا في الفترة نفسها، وكيف سيضخ القطاع الخاص 2740 مليون ريال يوميا، ولمدة 15 سنة؛ بالتحديد، قلت لعله سيشرح للرأي العام خطة ماكنزي 246. أكثر ما أرّقني تلك الليلة، هو تفكيري عما سيقدمه لنا وزير المياه والكهرباء! هل من المعقول أن يحدثنا عن التحول إلى الطاقة الشمسية وتصدير الكهرباء؟ هل سيعّقب على تصريحه قبل سنوات، والذي قال فيه إن الهدر والتسريب اللذين يحدثان في شبكة المياه، واللذين يصل إلى 20 %، على حد قوله، قبل الوصول إلى المنازل؟ ازددت طمعا، قلت بالتأكيد سيحدثنا عن الـ5.2 ملايين مواطن، الذين يستعينون بـ"الوايتات" للحصول على المياه، والنصف مليون مواطن الذين يجلبون المياه من الآبار إلى منازلهم، حسب التقارير الرسمية. أثار فضولي عدم وجود وزير الإسكان، واستدركت سريعا بأن هذا أمرا لم يعد مهما للرأي العام، ومع التفكير بين هذا وذاك لم أجد نفسي إلا غارقا في نوم عميق، وكأني أخذت إبرة "بنج" حتى صباح اليوم التالي، لأبدأ يوما جديدا مفعما بالنشاط والحيوية والحماس. أتت الساعة المرتقبة، وبدأ المؤتمر مساء الإثنين، وتحدث الجميع وأجابوا عن أسئلة الصحفيين. كان مضمون الحديث، أن الدولة تواجه تحديات اقتصادية وتنموية، وحرصوا على التأكيد أن رفع أسعار البنزين والديزل والكهرباء "تصب في مصلحة المواطن"، تذكرت حينها تصريحات سابقة للوزراء، عندما قالوا إن الميزانيات التريليونية وفوائضها في الأعوام السابقة "ستنعكس على رفاهية المواطن". أخيرا، وجه أحد الصحفيين سؤالا إلى وزير التخطيط والاقتصاد، عن كيفية افتراض أن القطاع الخاص سيضخ 1000 مليار ريال سنويا لمدة 15 سنة، حسب خطة ماكينزي، وكان سؤاله كما يلي: "أشير إلى دراسة ماكنزي التي ذكرت أن القطاع الخاص سيستثمر استثمارا فعالا بـ15 تريليونا خلال الـ15 سنة القادمة، أي تريليون ريال سنويا، بعض الخبراء استبعدوا هذه الدراسة، نود تعليقا من معاليكم"؟ الجواب من معالي وزير التخطيط والاقتصاد: "الدراسة التي قامت بها ماكنزي دراسة تذكر إلى ما هي الفرص الممكنة، والدراسة ركزت على أن بلادنا التي "يُنظر" أنها تمر ببعض الصعوبات الاقتصادية فهناك "فرص هائلة جدا" للتوسع الاقتصادي، والتوسع في تحسين مستوى الخدمات، وفي تحسين مستوى الأداء في الاستثمار بمستويات كبيرة، وعندما حددت هذه الفرص وضعت أنواع لهذه الفرص والمجالات التي يمكن فيها الاستثمار، وقدرت أنها تصل إلى هذه المبالغ، فإن التحدي الكبير يجب أن نواجهه جميعا كمجتمع، حكومةً وقطاعا خاصا وأفرادا أن "نُبيّن أن هذه التوقعات ليست فقط ممكنة" كما قاله الاستشاريون المستقلون، ولكنها إن شاء الله قابلة للتحقيق "في فترة زمنية حتى أقصر من تلك التي توقعوها"، القضية ليست قضية تنبؤات تقوم بها شركة استشارية، ولكن مدى الالتزام الذي تلتزم به الحكومة ويلتزم به المستثمرون من القطاع الخاص والأفراد في المجتمع، لتحقيق هذه الرؤية التي تنقل بلادنا من بلاد معتمدة على البترول كمصدر رئيسي وشبه وحيد لدخلها، إلى اقتصاد قوي قادر على الاستمرار والاستدامة، ونفخر أننا جميعا أسهمنا في بنائه لأبنائنا وأحفادنا في المستقبل إن شاء الله". كنت أتمنى أن يجيب معالي الوزير عن السؤال ويحدد مصادر الـ15 تريليونا، ولكن الجواب كان كما هو مكتوب أعلاه.