×
محافظة المنطقة الشرقية

«الجمارك السعودية» تضبط 41 مليون وحدة مقلدة ومغشوشة

صورة الخبر

كلما يتم توديع عام منصرم وعلى عتبة عام جديد، تتطلع الشعوب عادةً إلى غد أفضل ومستقبل تتحقق فيه الأماني والطموحات، وفيما يتعلق بالكرد كشعب يرنو إلى الحرية والخلاص، فإن آمالهم المشروعة التي انتقلت من جيل إلى آخر منذ القرن التاسع عشر على أقل تقدير، تنحصر في انتزاع حقهم بتقرير المصير والعيش بسلام وأمان مع جيرانهم ومواطنيهم من الشعوب الأخرى، وخاصة العرب والترك والإيرانيين والمكونات والأعراق الأخرى، وأن تتوقف الحروب والمواجهات وسائر أنواع الاعتداءات والاجتياحات ومختلف ممارسات الاضطهاد والقمع والإلغاء وإجراءات تغيير التركيب الديموغرافي التي كانت بلاد الكرد ومناطقهم مسرحاً لها منذ قرون. قبل الدخول في تفاصيل احتمالات المستقبل الكردي في العام الجديد، لا بد من تشخيص القوى السائدة على مساحة الجغرافيا التي يوجدون فيها إلى جانب الأقوام الأخرى والمشاريع المطروحة حول مستقبل المنطقة وشعوبها ومن ضمنها الشعب الكردي، تلك المشاريع التي تشكل في الوضع الراهن قاعدة الصراع في الشرق الأوسط وعنوانها الرئيسي؛ وفي مقدمتها: أولاً: المشروع الإيراني التوسعي ظاهره ديني مذهبي وجوهره قومي فارسي، ويهدف إلى بسط النفوذ في سائر أرجاء المنطقة من جلولاء إلى البحر الأبيض المتوسط في سواحل سوريا ولبنان وانتهاء باليمن ودول الخليج. وقد استثمر النظام الإيراني الاتفاق النووي مع الغرب لمضاعفة ترسانته العسكرية الهجومية وزيادة قمعه للقوميات الأخرى الإيرانية من غير القومية السائدة، ومن ضمنها شعب كردستان الإيرانية وتجاهل حقوقها المشروعة ومطالبها المحقة. ولا شك في أن مشروع النظام الإيراني هذا يتعارض مع طموحات وأماني الكرد في سائر أرجاء المنطقة؛ بل يعاديها على الصعيد العملي، كما يلاحظ في العراق مثلاً عندما يقف نظام طهران مع مراكز القوى الشيعية في بغداد والميليشيات المذهبية العنصرية التي تعادي تطلعات وحقوق شعب إقليم كردستان، كما يحرّض مجاميع فئوية وحزبية كردية، في محافظتي السليمانية وكركوك تحديداً، ضد رئاسة وحكومة الإقليم؛ ومن أجل دب الفرقة والانقسام في صفوف الكرد. ويتحمل نظام طهران جزءاً كبيراً من مسؤولية معاناة السوريين، وخصوصا الكرد السوريين؛ فقد كان -وما زال- عراباً للجماعات المسلحة التابعة لـ "ب ك ك"؛ بل أسهم حرسه الثوري وفيلق القدس والجنرال قاسم سليماني في نقل مسلحي "ب ك ك" وبالآلاف من قنديل إلى سوريا، وخاصة إلى المناطق الكردية، والتي سيطرت بقوة السلاح وبدعم مباشر من سلطة نظام الأسد على مقاليد الأمور وأقامت سلطة الأمر الواقع تحت نفوذ الفرع السوري "ب ي د" التي تمارس القمع ضد من يخالفها وأفرغت المنطقة من سكانها الأصليين. ولا ننسَ في هذا المجال الدور الإيراني في تخريب عملية السلام التركية-الكردية، وذلك من خلال مركز قنديل العسكري. ثانياً: المشروع التركي التوسعي المستند إلى الأحلام الإمبراطورية -العثمانية- القاضية بالتحكم في مصير شعوب المنطقة باسم الخلافة السُّنية وبزعامة العنصر التركي، الذي لا يعترف بحق عدد من الأقوام في تقرير المصير، وفي المقدمة الشعب الكردي. ولا يُخفي القيمون على المشروع معاداتهم للحقوق الكردية، ليس في تركيا فحسب؛ بل في كل مكان يوجد فيه الكرد. ثالثاً: السياسة الروسية في المنطقة التي بدأت تتحول إلى مشروع متكامل لبسط النفوذ، بعد الإمساك بمفاصل الوضع السوري وبناء قواعد عسكرية برية وبحرية وتصدُّر عملية وقف إطلاق النار والتفاوض، بعد استغلال تواطؤ وتباطؤ إدارة الرئيس الأميركي أوباما. وإلى جانب اعتبار الروس كدولة محتلة لسوريا، فإن نظامهم يعد حليفاً لنظام الأسد الاستبدادي وشريكاً في قتل السوريين ويتخذ مواقف انتهازية مصلحية من مختلف قضايا المنطقة بما فيها القضية الكردية، خاصة بعد الاتفاق مع تركيا، وروسيا ليست في وارد الوقوف إلى جانب حق تقرير مصير الكرد في المنطقة؛ بسبب مصالحها وظروفها الداخلية. رابعاً: التوجهات الأميركية-الأوروبية بشأن الشرق الأوسط لا يمكن اعتبارها مشروعاً واضحاً ومتكاملاً وموحداً، وما يجمعها الآن هو الحرب على الإرهاب، ليس من أجل القضاء على دولة خلافة -داعش- في سوريا والعراق فقط؛ بل من أجل الحفاظ على أمنها الداخلي والتخلص من مسؤوليات النزوح والهجرة. ولا شك في أن مواقف الغرب عموماً ليست ضد الحقوق الكردية، ولكنها متحفظة ومترددة تجاه شكل وتفاصيل حق تقرير المصير ووحدة البلدان والحدود الدولية، ومرهونة أساساً بمسائل مواجهة الإرهاب والنفط وأمن إسرائيل، خاصة أن هناك مؤشرات على تفرغ الغرب لقضاياها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية على حساب التورط في الأمور الخارجية، والعسكرية منها على وجه الخصوص. العامل الذاتي يشكل العامل الذاتي الحلقة الأضعف في الوضع الكردستاني الراهن؛ فمن جهة ليس هناك اتحاد (قومي) ولو في مستواه الأدنى بين مراكز وأحزاب الحركة القومية الكردية في أجزاء كردستان الأربعة؛ بل نشهد صراعات ومواجهات ساخنة وباردة وفاترة، ورغم وجود اتجاهين فكريين سياسيين: واحد قومي ديمقراطي معتدل يقوده مركز إقليم كردستان العراق ويشكل الرئيس مسعود بارزاني رمزاً له، وآخر مغامر مرتبط بالقوى الإقليمية يشكل مركز قيادة -ب ك ك- في قنديل التجسيد العملي له. إلا أن معالم الصراع لم تتبلور بعد على المستوى الشعبي بصورة واضحة، والسبب يعود -كما أرى- إلى تقصير الاتجاه المعتدل في إرساء القواعد الفكرية والسياسية والتنظيمية، وبلورة المفاهيم على الصعيد العملي، ووضع البرنامج النضالي الديمقراطي التشاركي، والإبقاء فقط على إدارة الصراع عن بُعد تغلب عليها التجريبية من دون التزامات وآليات واضحة. أما على صعيد الوضع الداخلي في كل جزء على حدة، فالحالة تبدو أكثر سوءاً؛ فالأحزاب الكردية الفاشلة والعاجزة تتصدر المشهد، تلك الأحزاب التي لا تمتلك أي مشروع قومي ووطني واضح وحاسم وتعيش على ردود الفعل وليس الفعل، كما أن هذه الأحزاب لم تشهد في كل تاريخها إصلاحات أو تغييراً في البرامج والقيادات والفكر والتنظيم، وأهملت الأجيال الشابة الجديدة والمرأة؛ بل أبعدتها عن مصادر الفعل والقرار، حتى إن هذه الأحزاب التي قد تبلغ (الآلاف) على المستوى القومي العام بعيدة عن التقاليد الديمقراطية ولا تتمتع فيما بينها بالحد الأدنى من التنسيق والعمل المشترك، كما أنها مختلفة حتى على تفسيرات مبدأ حق تقرير المصير. وللأسف، قسم كبير منها مخترق من جانب الدوائر الشوفينية الحاكمة في طهران وأنقرة ودمشق وحتى بغداد. قد أختلف في قراءتي وتقييمي في عدد من المسائل المتعلقة بالمستقبل الكردي مع إخوة وأصدقاء من مفكرين وسياسيين وإعلاميين كرد. ولا ضير أن يواجهني البعض بأنني متشائم، فبالنسبة لي أرى العامل الذاتي هو الأساس والمنطلق، وأشخص هذا العامل بالسلبي في الوقت الراهن، ولكنني في الوقت ذاته أرى إمكانية تحويله من السلبي إلى الإيجابي بتوفير الشروط والأسباب التي يمكن ذلك عندما تتوافر الإرادة والقرار والبرنامج وخطط العمل. فعلى سبيل المثال، هناك من يعول على العامل الخارجي الغربي والإسرائيلي لإقامة الدولة الكردستانية المنشودة، وإذا كان ذلك طموحاً مشروعاً من جانبه المبدئي العام، وأقصد هنا حق تقرير مصير الكرد، فإن الوسيلة والآلية ليستا مفيدتين، وغير متوافرتين أصلاً، فالغرب يتعاطف مع الكرد من بوابة البيشمركة ومحاربة الإرهاب، وهي لن تدوم إلى الأبد. أما إسرائيل، فتبحث عن شريك لتلقي الضربات، وإذا كانت هي مدججة بالسلاح النووي وتستطيع الدفاع عن النفس، فقضية الكرد تختلف عن تجربة إسرائيل؛ لأنهم ليسوا أعداء للعرب والأتراك والإيرانيين، ولم يحتلوا أراضي الغير، وتُحل قضيتهم سلماً وعبر التطور الوطني الديمقراطي والتوافق مع الشركاء. ومن منطق الخسارة والربح، فإن مصلحة الكرد هي العيش المشترك مع مئات ملايين العرب والترك والإيرانيين وليس مع بضعة ملايين إسرائيلي ليسوا على حدود كردستان. قبل نحو أسبوع عقد في تونس، وبمبادرة من المعهد العربي للديمقراطية، لقاء بين مثقفي الأمم الأربع (العرب والترك والإيرانيين والكرد)، وكنت أحد المشاركين، وهو الأول من نوعه، وتم نقاش بالعمق حول التسامح، والاعتراف المتبادل بالوجود، والحقوق، والديمقراطية، ومحاربة الإرهاب، وحق تقرير مصير الشعوب. ومثل هذه المبادرات تشكل الأساس في مستقبل التفاهم بين شعوب المنطقة وتؤسس للاعتراف بالكرد كأمة بين سائر الأمم، لها الحق في تقرير مصيرها، في أجواء خالية من العنصرية والإرهاب والاضطهاد. وقد طرحنا تجربة الإقليم الكردستاني، بكل اعتزاز، حول الموقف من القوميات والأديان الكردستانية المتعايشة إلى درجة أن الإقليم هو المكان الوحيد أو الواحة الفريدة لحريات الجماعات والأفراد والأقوام والعقائد؛ من كرد ومسيحيين وتركمان وعرب وأرمن. لذلك نقول: إن المكانة الراهنة للإقليم والاحترام الكبير للرئيس مسعود بارزاني سيشكلان فرصة تاريخية مواتية لترتيب البيتين الكردي والكردستاني وتحقيق طموحات الكرد المشروعة بحسب إرادتهم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.