هذا من مزايا الحضارة الحديثة، ملء الوقت بسعادة، لم يَعُدْ هناك مكانٌ لملل، أو خشيةٌ من وحدة، أو إحساس بوحشة.. العالم كله معك.. وحولك.. وبين يديك. لا أدري كيف كان القدماء يقضون أوقات فراغهم؟ وخاصة في الليل، فلم يكن هناك كهرباء، وبالتالي لا راديو ولا تلفزيون - فضلاً عن الفضائيات - ولا نت ولم يكن الكتاب منتشراً. إن الملل هو ألدُّ أعداء الإنسان، وهو - الملل - منسوج في سلوك الإنسان، فما إنْ يعتاد على أمر - مهما كان جميلاً- حتى يملَّ منه بعد فترة، ويطلب التغيير. لم يكن التغيير -أو التجديد- متاحاً بسهولة في الزمن القديم، وربما لهذا السبب قامت حروب، وحدثت مآسٍ كبيرة. العصر الحديث كله تجديد، وبمنتهى السهولة، في البيت، بل وفي الغرفة، لهذا تلاشت أشباح الملل الكريه، والضجر البليد، ولم تَعُدِ الوحدة مزعجة، بل صارت الوحدة أمتع وأنفع من الاجتماع الكثير مع الناس، بعكس الزمن القديم الذي كانت فيه الوحدة من أعظم أسباب الاكتئاب. تُعَدُّ الخيارات المبهجة هبة الحضارة الحديثة، وكثيرٌ من تلك الخيارات تحمل المتعة والمنفعة معاً، وهي معادلة صعبة أمكن تحقيقها في هذا العصر لمن يحسنون الاختيار.