إنها امرأة من مجتمعنا الآمن المستقر الحانية على أبنائها العطوفة على أحفادها الراعية لبيت زوجها، الواصلة لأخواتها المراعية لحق جيرانها، المتفانية في حب صديقاتها ومعارفها.. عرفتها عن قرب عندما كنت أزورها مع أم العيال أم إبراهيم في مناسبات الأعياد، وعندما كانت تزور أختيها المرحومة لولوه والمرحومة شريفة في بيت ابن أختها المرحوم محمود عبدالله بهلول بالمنامة فلا تترك مناسبة إلا وتواصلهما وإذا حالت الظروف بينها وبين التواصل الجسدي فعن طريق الهاتف للاطمئنان والسؤال عن الأولاد والأحوال.. كما اعتادت أن ترسل لهما في الأعياد لقمة العيد، وكان انتظارها بمثابة انتظار الفرح... إنها السيدة الخالة بدرية بنت عبدالله بدري حفظها الله ورعاها واسبغ عليها نعمة الصحة والعافية وهي أرملة المرحوم يوسف أحمدي وأخت المرحومة شيخة، والمرحومة حصة، والمرحومة لولوه، والمرحومة شريفة بنات المرحوم عبدالله بدري، ومن أبنائها وبناتها المرحوم يعقوب، وعواطف، وعلي وحامد ومحمود، وفجر.. وهي سدرة البيت التي يجتمع حولها الأهل والأقارب من بيت المرحوم يعقوب يوسف الحمر، وبيت المرحوم عيسى الشتر، والمرحوم عبدالله بهلول وعوائل أحمدي والمحمود، والرشدان، والمير وكمال والمطوع، والفاضل، والشروقي وسيار والمؤيد وكانو والزياني والهرمي والذوادي والوزان والعمادي والخالدي، وهذا هو مجتمع البحرين المتلاحم الذي تختلط فيه العائلات دماً، وقرابةً ونسباً، ومصاهرةً، وجيرةً وهو الحال الذي نشاهده ثاني أيام العيد، عيد الفطر وعيد الأضحى حيث يجتمع ويلتئم الشمل في بيت الأخ والصديق نبيل بن يعقوب الحمر مستشار حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى لشؤون الإعلام حيث يأتي الأهل من البحرين وقطر والإمارات والكويت والسعودية لمناسبة العيد وتناول غداء ثاني أيام العيد، وهي عادة درج عليها المغفور له بإذن الله تعالى الوالد يعقوب بن يوسف الحمر، وحرمه المغفور لها بإذن الله تعالى مريم الحمر أم فيصل. والسيدة الخالة بدرية عبدالله بدري أم يعقوب تحفظ الكثير من الذكريات ولا تملك وأنت تستمع إليها إلا أن تعجب وتندهش من حرصها على التواصل الحميمي مع الجميع، فهي لا تترك مناسبة إلا وتزور من يعز عليها، كانت متواصلة مع أهلها وفريجها في المنامة، حريصة على القيام بالواجب تجاههم سخية تمد يدها للمحتاج إيماناً منها بالمسؤولية الدينية والاجتماعية لكل من يحتاج إلى المساعدة، وهي المرحة، المستبشرة بالخير دائماً واثقة بأن المعروف لا يضيع، وأن الله سبحانه وتعالى يضاعف لمن يشاء وليس غريباً أن تتعاطف معها وهي تروي القصص الكثيرة من أحداث الزمان، وقد تشاركها البكاء وتذرف الدموع معها حينما تتذكر الراحلين وتتذكر مواقفهم الإنسانية، فهي لفرط شعورها الرقيق تجاه من تحب لا تملك إلا أن تتعاطف معها، فبقدر ابتسامتها التي لا تفارق شفتيها، إلا أن دمعتها دائماً على خدها، فهي تبكي أبا عيالها كما تبكي بحرقة فراق ولدها يعقوب مثواه الجنة ورضوان النعيم إن شاء الله. بدرية عبدالله بدري من نساء مجتمعنا اللاتي أحببن الجميع، وتفانين في تقديم كل ما هو يربط الأسر ويقوي لحمتها وأواصرها، فهذا الجيل من نساء بلادي اللاتي عشن في الفرجان المختلطة بمدننا وقرانا يشعر بعظم المسؤولية تجاه جيرانهم والمحيطين بهم. نساء بلادي لم يعرفن الضغينة ولم يمارسن الجفوة، بل كن يتهادين الأطباق ويتزاورن في أوقات الضحى، ويسألن عن بعضهن بعضاً، حريصات على أولاد الجيران ساهرات على مصالحهم.. كانت الأبواب مشرعة وينتقل الأطفال من بيت إلى بيت وكانت ربة البيت تسعد عندما يأتي أولاد الجيران إلى منزلهن، فيفرحن إذا أكل أولاد الجيران عندهن وجبة إيماناً منهن بأن في الزاد المشترك بركةً وخيراً، وإن ذلك مدعاة للألفة والمحبة بين أهل وأولاد الفريج. بدرية أم يعقوب من نساء بلادي اللاتي كن يسألن عن القريب والبعيد ومنتهى سعادتها أن يتجمع حولها الأهل والأولاد والأحفاد، وتزداد فرحتها عندما تتاح الفرصة لها للحديث عن مواقف إنسانية مرت في حياتها، لقد عشنا على حزاوي أمهاتنا وجداتنا واستقينا منهن الحكمة والمواقف الإنسانية، وكم يؤلمنا اليوم انشغالنا بوسائل التواصل الاجتماعي بحضورهن وعدم إنصاتنا بكل جوارحنا لأحاديثهن والتي هي تمثل زاداً وذخيرةً وتجارب إنسانية راقية. عذراً خالة بدرية، فقد باعد بيننا الزمان، وتفرقت بنا السبل وانشغلنا بالدنيا الفانية، وصرفتنا الأيام عن أن نقضي الوقت الجميل ونحن نتشرف بالجلوس إليك والاستماع إلى أحاديثك الشائقة، ولسان حالنا يقول: أين تلك الأيام والليالي المقمرات وأحاديث الناس الطيبين؟! وأين تلك القدور على النار والطبيخ تفوح منها روائح التوابل والهيل والزعفران؟! وأين تلك الجلسات حول الموائد والسفر وشقاوة الأطفال في إخفاء الإيدام؟! عذراً خالة بدرية إن لم نوفيك حقك من الوفاء والإخلاص، فمهما قلنا لن نفيك حقك من المحبة والتقدير الذي غمرتينا به، فأنت السباقة لكل خير، وأنت المثال والقدوة في الإخلاص والمحبة والوفاء وصلة الأرحام، وأنت الأولى بالرعاية فقد كان حنانك شاملاً للصغير والكبير، القريب والبعيد... ندعو الله جلت قدرته أن يثيبك عنا خير الجزاء وأن يمد الله في عمرك ويحفظك ويرعاك وأن تقر عينيك بالأحفاد، فأنت نرى فيك طيبة من رحل ونلمس في محبتك وإخلاصك أولئك الذين عز علينا فراقهم. عذراً وعذراً خاله بدرية.. وعلى الخير والمحبة نلتقي