بين «أبي جهل» و«عبدالله ثابت» مسافة شاهقة من التنوير والوعي تصب في صالح أبي جهل للأسف لا عبدالله ثابت. أبو جهل يهاب من الصورة الذهنية ويدرك أثرها في تكوين سمعة طيبة أو سيئة، وكيف يمكن أن تُستغل ضد شخصه أو عشيرته، لهذا حين لطم أسماء على وجهها خجل من نفسه وقال لمن معه: اكتموها علي لئلا تتحدث العرب أنّا نضرب النساء». أما عبدالله ثابت يكوّن صورة ذهنية عنا أمام الغير فيتساءل ساخرًا: «كم مليون سعودي مشغولون بحياة وأخلاق ودين وبلدان وطريقة حياة وطريقة موت سبعة مليار آدمي ثم توزيعهم على النار والجنة.. مهمة شاقة فعلا!». رمى «الثابت» هذه الكلمات علينا إثر مواجعه الشخصية السابقة وصراعاته المستمرة، وبعد هجوم إسطنبول الإرهابي كتبها كتغريدة نتيجة ما وقع من شرذمة تجنّت على ضحايا الهجوم في المطعم أو الملهى - ولا فرق فالقتل لا يبرر - ضاربًا عرض الحائط بعدد كبير من المغردين الذين جُرحت إنسانيتهم، وحزنوا على المتوفين بل إن وسمًا بلغ الترند للمغدورة «شهد سمان» انتحبت فيه الحروف ورجت القلوب من المولى لها بالرحمة، ولأهلها بالصبر والسلوان، ووسع بقية الضحايا ما وسع «شهد» وذويها.. هذا على نطاق المغرديين، ناهيك عن الشارع وصدمته، وما دار من أسى في البيوت، أما القانون في بلادنا فيسمح للمتضررين من أهل الضحايا برفع قضايا على من يلوك سمعة المتوفين. وفي هذا صورة عن رقة قلوبنا أهل هذا البلد، وأفق القانون الذي يقف على مسافة واحدة من الجميع. يبدو أن العرب اليوم بكل ما يملكون من إمكانيات مادية وعلمية ما استطاعوا تكوين صورة ذهنية جيدة مقابل عرب الجاهلية الذين أدركوا ما للصورة الذهنية من أثر بالغ، والأمثلة كثيرة «كحاتم الطائي» وصورته الذهنية، حتى عند طفل المرحلة الابتدائية معروف بالكرم، و«عنترة العبسي» أول صورة ذهنية تركض عند سماع اسمه تعبر عن شجاعته. خطر وسائل الاتصال الثقافي على الصورة الذهنية: وسائل الاتصال الثقافي كالكتب، والسياحة، والبعثات، والوفود والعمالة، والسينما والصحف والقنوات الفضائية ومواقع التواصل كلها تبني صورة ذهنية وجلّ هذه الوسائل رهن إشارة منا فنحن نملكها لكننا للأسف لم نفعّلها بشكل ينفعنا ولا يضرنا، فتكالب علينا بنو جلدتنا -بدراية وبلا دراية- وأعداؤنا وكل من لا يهمه أمرنا لتكوين صورة ذهنية سياسية واجتماعية ودينية وتاريخية، نحن في أغلب ما جاء فيها بريئون. دراسات كثيرة عربية وغير عربية رصدت صورة العرب والمسلمين في أذهان المجتمعات الغربية، فيقول جاك شاهين: «دلت أبحاثي التي دامت أكثر من عشرين سنة على أن كلمتي عربي - ومسلم تثيران ردود فعل عدائية يصعب معها على الجمهور أن يميز الحقيقة من الخيال، وربما لم يتعرض أي شعب في العالم نتيجة ذلك إلى هذا المدى من سوء الفهم كما يتعرض المسلمون». وكما تعرفون من مشاهداتكم أن هذه الصورة الذهنية عمّت في المجتمع الغربي دون مقاومة تذكر من الإعلام العربي والمسلم، مما رسخ الصورة وزاد من كثافتها لتوظّف لصالح العدو وتكون ضغطًا سياسيًا علينا، فلا الصحف ولا القنوات الفضائية ولا رجال الثقافة والدين كانوا سدًا منيعًا، بل في كثير من الأحايين كانوا هم منبع السوء بالمواضيع التافهة التي تطرح، والنماذج الهزيلة ثقافيًا واجتماعيًا المقدمة، والفتاوى المتحجرة التي لا تعرف كيف يكون الإسلام صالحًا لكل زمان ومكان. لحل أزمة الصورة المشوهة: الاعتراف أننا متورطون في خلق صورة سيئة عنا وعن بلادنا، ثم تجنيد كافة إمكانياتنا البشرية والمادية، لإعادة تشكيل صورتنا الذهنية أمام أنفسنا أولًا قبل الآخر بإحياء مآثرنا الطيبة، والثقة في حضارتنا وثقافتنا، وتنقيح التجاوزات فيها. وتسليط الضوء على النماذج المشرفة في الكتب المدرسية المعاصرة والصحف والقنوات الفضائية. تصدير النماذج المؤهلة للخارج لخلق صور جيدة ومحاولة إعادة تأهيل النماذج السيئة وتهذيبها، وبطبيعة الحياة ليست كل النماذج السيئة قابلة للتعديل، ولن نكون الشعب الكامل الخالي من العيوب، لكننا نحاول أن نصدّر صورتنا الجيدة للعالم، وليس في هذا بدعة فكثير من الدول عكفت على تحسين صورتها أمام الرأي العالمي، ونجحت كالمجر وماليزيا وألمانيا لتتناغم مع مصالحها، وهاهي إسرائيل تسعى لهذا. رجاءً: كفّوا أذاكم عنا، أخرجونا خارج صراعاتكم التي أفقدتكم المروءة، لسنا بذات السوء الذي تصفون، نعم نحن حديثو عهد بالانفتاح على الآخر لكننا شعب طيب محب للسلام وديننا يحثنا على هذا، وكلنا مؤتمن على سلامة صورته وصورة بلاده فأحسنوا.