قال فضيلة الداعية محمد يحيى طاهر إن الخصومة بين الناس أمر واقع لا محالة بينهم إلا من رحم ربي ، لأن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم. وأكد أن الشريعة الإسلامية تذم الخصومة وتحذر من التمادي فيها. وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الأخوين سحيم وناصر أبناء الشيخ حمد بن عبدالله بن جاسم آل ثاني رحمهم الله أن الأصل في الناس هو عدم الاختلاف والخصومة. غير أن ذلك قد طرأ منذ أن قتل أحد ابني آدم الآخر فانقلبت الحال ليصبح الخلاف والخصومات أمرا لا مناص منه، ثم إن النسبية تحكمه بين الحين والآخر بحسب قرب الناس من شريعتهم وبعدهم عنها. ولفت إلى أن الخصومة مع الأعداء أشد منها مع الأصدقاء، وهي بين الأقران أشد منها مع الأبعدين، وفي الجيران أشد منها بين الأسرة الواحدة، وبين أبناء العمومة أشد منها بين الأشقاء، وهكذا بين الأقرب فالأقرب دواليك. وأضاف: «لأجل هذا جاءت الشريعة الغراء ذامّة للخصومة فاضة للنزاع محذرة من التجاوز فيهما والخروج عن الإطار المشروع لهما، وهو طلب الحق لتجعل من تجاوز ذلكم ممن التاث بسمة من سمات المنافقين، وهي الفجور في الخصومة الذي هو الميل وتجاوز الحد والحق. وأكد أنه من المعلوم أن واقع الناس إما عبادات أو معاملات، ثم إن المعاملات إما أن تكون نية أو قولا أو عملا، ومن تجاوز الحد في هذه الأمور الثلاثة أو أخل بها ففيه من النفاق العملي بقدر الذي حصله منها، وجماع ذلكم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»، وفي رواية -وهي التي تعنينا هنا-: «وإذا خاصم فجر». ونوه خطيب جامع الأخوين بأن الفجور في الخصومة هو ثلث المعاملات؛ لأن القول يقابله الكذب والفجور في الخصومة، والنية يقابلها إخلاف الوعد، والعمل يقابله خيانة الأمانة. وقال إن الفاجر في الخصومة هو من يعلم أن الحق ليس معه فيجادل بالباطل، فيقع فيما نهى عنه الله -جل وعلا- بقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وتابع: الفاجر في الخصومة يسبق لسانه عقله وطيشه حلمه وظلمه عدله، لسانه بذيء وقلبه دنيء، يتلذذ بالتهم والتطاول والخروج عن المقصود. الألد الخصم.. الأبغض إلى الله أضاف طاهر خلال خطبة الجمعة أن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم كما صح بذلكم الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين وغيرهما، والألد هو: الأعوج في الخصومة بكذبه وزوره وميله عن الحق. وقال إن من هذه حاله فقد شابه من أرادهم الله بقوله: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}، ونبه إلى أن اللبيب العاقل ليس هو الذي يميز بين الخير والشر في الخصومة فحسب لأن كثيرا من الناس يملك هذا التمييز. ولكن اللبيب حقا هو من يميز في مثل هذه الأمور خير الخيرين وشر الشرين، وما سقط من سقط في الخصومات الدينية والدنيوية العقدية والفكرية الثقافية والإعلامية إلا بسبب الجهل بهذا. لا أمان ولا ستر أكد طاهر أن الفاجر في الخصومة لا أمان له ولا ستر لديه، فيه طبع اللئام، فإن اختلفت معه في شيء حقير كشف أسرارك وهتك أستارك وأظهر الماضي والحاضر، موضحا أنه ليس العيب في مجرد الخصومة، إذ هي واقع لا مناص منه في النفوس والعقول والأموال والأعراض والدين، إذ من ذا الذي سيرضى عنه الناس كلهم؟ ومن ذا الذي إذا رضي عنه كرام الناس لم يغضب عليه لئامهم؟ وأضاف: «العجب كل العجب أن بعض الناس يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والزنا والظلم والسرقة وغير ذلكم ويصعب عليه التحفظ من لسانه. وأوضح أن من نظر إلى واقع المسلمين اليوم وما يكون فيها من التراشق المقروء والمرئي والمسموع ليجد لذلك أشكالا وألوانا ويسمع رجع صدى لهذه المعرّة، لتصبح ثقافة طالب العلم أو الصحافي أو الإعلامي أن الخصومة تبيح التطاول ليصل إلى النوايا ولينشر المستور، ويصبح الحاكم الوحيد على مثل هذه القلوب المريضة هو عين الرضا التي تستر القبيح أو عين العداوة التي تستقبح الإحسان.;