نود لفت الانتباه إلى أن من بين أسوأ الأخطاء المرتكبة حيال فهم وتفسير الأحداث والمتغيّرات والانتفاضات والثورات، الخلط ما بين الهدف وأداة الوصول إليه. ومن أخطر أنواع ذلك الخلط، إقامة علاقة تماثل واختزال ما بين مصالح القوى والفئات والطبقات الاجتماعية، وبين الأفراد الذين أدوا أدواراً مؤثّرة في مراحل الانعطاف والتغيير والثورة. حين طغت العوامل الذاتية وتضخّمت على نحو غير طبيعي، ساد التعسّف وارتبك المسار وتعاظمت الأضرار. الانحراف يبدأ صغيراً، ثم لا يلبث أن يكبر من فرد إلى فرد… وبدت نقاط تماس وحبال اتصال أبعد من جغرافيا الثورة التى ظننا أول الأمر أنها صناعة مصرية محلية خالصة. والبادئ، وإن يكن أظلم عادة، إلا أنّ ما ينشأ من ظلم لاحق قد يتعدّى كلّ الحدود وكلّ الحقوق وكلّ الحقائق الموضوعية. أردنا من هذه الاستطرادات تأكيد الأساس أو الطابع الموضوعي لعملية الاحتجاج غير المسبوقة التي لا يزال يشهدها العالم العربي. وتأكيد هذا الأساس، أو هذا العامل الأساسي، لا ينفي عوامل أخرى، داخلية أو خارجية، سياسية أو اقتصادية، أمنية أو مزاجية أو حتى ثأرية ونفسية تقبع فى باطن العقل اللاواعى، تقع في نطاق التداعيات أو تنجم عن تضخّم المعاناة. إنّنا نعيش دائماً وسط صراع مفتوح. وهو ينطلق أساساً من نزعة السيطرة والغلبة وتكريسها لمصلحة قوى اجتماعية مدركة لمصالحها غالباً، أو هي في طور الكفاح من أجل رفع الظلم والسيطرة والحرمان والفقر والقهر. لكنّ تحنيط التجارب والأشخاص من جهة، والركون إلى النقل دون النقد (وهو إضافة وحذف) من جهة ثانية، والانحرافات والمصالح الصغيرة من جهة ثالثة، قد رتّب تراجعات وخسائر وارتكابات، أكدت مجدّداً شمولية الصراع والتناقض، وأنّهما بالفعل، «الوَلاّدة» الحقيقية لـ«التاريخ»، أي للتقدّم والتحرّر والحضارة. وهذا ما نتمناه من رؤية وطنية خالصة. وهنا نود أن نوضح ثمّة مشتركات إستراتيجية (بيئة خارجية – بيئة داخلية) ما بين حركات الاحتجاج والانتفاضات والثورات… وثمّة تباين إستراتيجى كبير أيضاً. أما المشترك ففي النزوع نحو الحرية… والمشترك أيضاً، محاولة استغلال حركات الاحتجاج من أجل خدمة أهداف قوى مؤثّرة إقليمية وعالمية، تقع الولايات المتحدة الأميركية في مقدّمتها، بوصفها أيضاً صاحبة مصالح إستراتيجية تخشى عليها أو تسعى إليها، حسب البلد المعني وحسب ظروفه. وتمثّل الحالة السورية أنموذجاً خاصاً في هذا السياق، حيث تتكثّف التدخلات الخارجية في سباق محموم، مع تفاعلات داخلية مثقلة بالحجز والمصادرة والتخويف ورغبات متشوّقة للحرية وللمشاركة وللخروج من الاستثنائي والطارئ إلى الدائم المستقر. ينمو كل ذلك إلى جانب ما كان مستمرّاً ولا يزال قائماً من الكلام الدعائي والشعاراتي الأجوف، ليبنى بمساعدة الجهد الكبير الذى يبذله كتّاب وإعلاميون ومناضلون استثنائيون وعاديون، لتفسير ما يحدث ولتبريره وإعطائه ما يستحق من المشروعية الحقيقية أو الزيفة – كل حسب أجندته – يحصل ذلك ليخرج لنا فى النهاية منتجا مبتسرا ومشوها وسط معاناة كبيرة وتضحيات جليلة على باقي أفراد وأبناء الوطن تؤكّد ما ذهبنا إليه في البداية. وبناء عليه… ينبغي تحرير الأهداف الكبيرة من المصالح الصغيرة والآنية، وينبغي غالباً، تحرير الأهداف السامية من عبء الوسائط والأدوات، وخصوصاً مصالح الأفراد… ولنعلم أن الثورات لم تُصنع مرّة واحدة وبنموذج نهائي لا يحول ولا يزول… ولذلك لا يستطيع الثوار الحقيقيون الوطنيون، بالمعنى التاريخي المتواصل والممتد، أن يرتاحوا. فالعالم سيبقى يلقي بأثقاله على الفقراء والضعفاء، وعلى هؤلاء أن يواصلوا المقاومة والاحتجاج والثورة ليس بالمفهوم السياسى وتغيير أنظمة الحكم فقط ولكن هناك الثورات العلمية والمعرفية والثقافية ومن ثم الحضارية إلى… الأبد! رابط الخبر بصحيفة الوئام: رؤية استراتيجية للواقع