قد يتيه الإنسان في عالمه وينسى ماهو الحال عليه في الجانب الآخر من العالم. الصورة التي فاز بها مصور صيني هاوٍ يدعى فو يانغ شو وحصل على جائزة حمدان بن محمد بن راشد الدولية للتصوير الضوئي. تدهش كل من شاهدها لأنها تعكس مفارقات عجيبة. فقد التقطت هذه الصورة المعبرة في منزل عمدة قرية فقيرة للغاية، في إقليم جيان تشي الصيني، وظهر فيها أطفال بملابس رثة يقفون مستمعين أو يجلسون على كراسي الصف وبالكاد تصل أقدامهم الصغيرة لأرض الغرفة التي يدرسون بها ويستمعون لمعلمهم المندمج في الشرح. لقد كان المنزل الطيني الذي ضم صفاً لتعليم الأطفال الصغار شاهداً على حب العلم والرغبة في التعلم في نفوس الأطفال الذين تواجدوا في الصورة. ففيها يقوم المدرس بالشرح وكتابة الكلمات والأرقام على جدار في الغرفة الطينية والطلبة مصغون له بحرص واهتمام. ومن هنا ظهر الجمال في الصورة فجمالها هو في تناقضها مع واقعنا الحالي مع الأسف! فأنت ترى مكاناً في العالم لا يزال التعلم فيه بدائياً جداً في أحد أهم البلدان الصناعية التي تصنع وتورد أحدث الأجهزة والتقنيات التعليمية وبأسعار رخيصة. بينما في جانب آخر ُتستهلك هذه المنتجات المتطورة في التعلم واللعب، ويسعد الطلبة والطالبات بأي حجة تبرر لهم الغياب وعدم الحضور للمدرسة. وهي مفارقة عجيبة تظهر جانباً من واقع الإنسان المكرر. فالحرمان هو سر الشغف، والأمل بواقع أفضل هو نورها الذي متى ما انطفأ انطفأ معه الحافز للتعلم. فالصورة الفائزة كانت معبرة جداً ومباشرة في رسالتها: فطلب العلم ليس حكراً على أحد ومهما ضل الطالب الطريق تظل المدرسة الجانب الأمثل لهدايته. والمفارقة الحقيقية هي في تناغم الفقر المدقع مع الرغبة في العلم. ولو ترجمنا تفاصيل الصورة التي تظهر حرصاً من الأطفال في إقليم شديد الفقر في الصين على التعلم. وتبحث له عن مثيل، تجد نقيضه في مدارسنا التي يجد الطلبة وأهاليهم مبررات محكمة لاستباق الإجازة بيوم أو اثنين تحضيراً لها والتأخر في العودة منها بمبررات أخرى. وهي مبررات لم تمنع الأطفال في الصورة من الحضور لطلب العلم أهمها التأكد من نظافة المدرسة وفصولها وساحاتها قبل العودة إليها! ومع أن الجائزة تعد من أكبر الجوائز قيمة في التصوير الضوئي، إلا أنها لن تفي المصور حقه لأنه استطاع أن يبرر بالصور شغف هؤلاء الأطفال ورغبتهم في التعلم ويختصر المشهد في شخوص الطلبة وحماسة واستغراق المعلم في شرحه، والكلمات الكبيرة مهما كانت منمقة فستظل بعيدة عن المنافسة لأن الصورة كانت أصدق وأكثر تعبيراً. وحتى ولو لم يصدق أحد المشهد الذي في الصورة وظن بأنه مفتعلاً فإن خروجه بهذه الاحترافية العالية يستحق التقدير.