تحليل البيانات الضخمة يحدد أذواق التسوق الإلكتروني يتفاجأ مستخدم شبكات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني في أحيان كثيرة، بظهور إعلانات تجارية لسلع قام مسبقا بالبحث عنها في تطبيقات أخرى، بل أكثر من ذلك هناك بعض الخوارزميات التي تستخدم بيانات تحديد الموقع على جهاز الهاتف لاقتراح الإعلانات. فكيف يساعد تحليل البيانات الضخمة على التسويق والتخطيط للمستقبل؟ العربحسن مازن [نُشرفي2017/01/09، العدد: 10507، ص(12)] التسوق الافتراضي يقتحم الواقع تعد رواية 1984 التي كتبها جورج أورويل في 1948، تنبؤا مستقبليا للطريقة التي سيكون عليها العالم لو حكمته الشيوعية، حيث أن “القائد الرمز” أو الأخ الأكبر وهو شخصية خيالية في الرواية، يراقب الجميع ويتجسس عليهم في كل مكان وزمان خوفا من المؤامرات. ويبدو أن لخوارزميات التسويق الإلكتروني اليوم دورا مشابها لدور الأخ الأكبر، حيث تستغل كل جزء صغير من البيانات المتاحة عن المستخدمين لمعرفة ميولهم وتفضيلاتهم بغية عرض البضائع بأمثل طريقة ممكنة تجلب لشركات التسوق الإلكتروني أعظم ربح ممكن. ولا تحلل هذه الخوارزميات البيانات التي تحصل عليها من تصفح المستخدم للإنترنت وحسب، بل قد تتبع زيارته للأسواق الحقيقية من خلال جهاز تحديد المواقع المُثبت بجهازه. ربما يعتقد البعض أن هذا اختراق للخصوصية، لكن في حقيقة الأمر فإن الشركات التي تقوم بذلك قد حصنت نفسها من خلال اتفاقية الشروط التي يوقع عليها المستخدم عند تسجيل الدخول إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر. ومن جانب آخر، فإن هذه الخوارزميات لا تحلل بيانات الأفراد كأفراد بل تحلل الخطوط العامة وتوجهاتهم، لهذا فليكن المستخدم مطمئنا، فلن يأتي اليوم الذي يجد فيه صوره الخاصة وقد نشرت على الملأ بسبب التوقيع على بند لم يقرأه في اتفاقية الشروط الخاصة بتطبيق المحادثة الذي يستخدمه. لماذا البيانات؟ ظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما في فبراير من العام الماضي، بخطاب مصور يعلن فيه إتاحة أكثر من 135 ألف مجموعة بيانات للاستخدام العام في قطاعات مختلفة مثل الصحة والمناخ وغيرها. وفي ذات الخطاب أكد أوباما على الدور المحوري لفهم البيانات المعقدة أو الضخمة في تحديد معالم مستقبل البشرية وطرق مواجهة التحديات الكبيرة مثل التغير المناخي وغيره. الشاغل الأول لعمالقة التجارة الإلكترونية هو كيفية البقاء في المنافسة على مختلف الأصعدة وعلى الرغم من أن مصطلح البيانات الضخمة (بيغ داتا) أصبح رائجا للغاية في السنوات الأخيرة، إلا أنه حتى قبل منتصف القرن الماضي كانت قطاعات الأعمال تستخدم تحليلا سطحيا وغير معمق ربما للبيانات المتاحة قبل اتخاذ القرارات. ومع ذلك، فإن ما ميز الموجة الجديدة للاهتمام بالبيانات وتحليلها هو استخدام خوارزميات معقدة لتحليلها فضلا عن التفنن بطرق جمعها وفي مجالات مختلفة. البيانات الضخمة أو المعقدة بالإمكان تعريفها على أنها مجاميع البيانات التي تعجز الطرق والخوارزميات التقليدية عن تحليلها ووصفها وتلخيص ما تدور حوله، ولا بد من استخدام طرق أكثر تعقيدا وذكاء لهذا الغرض. وتمتاز خوارزميات تحليل البيانات الضخمة بميزات مثل تقليل كلفة تخزين البيانات، فالتحليل يكون فوريا ولا يستدعي الحاجة للتخزين قبل المعالجة. ليس هذا فحسب، بل إن هذه الخوارزميات تمتاز بقابلية التعلم، فعلى سبيل المثال نتائج البحث باستخدام تطبيق غوغل الآن تختلف من شخص إلى آخر بناء على ما يتعلمه التطبيق من تفضيلات الأشخاص وميولهم، حتى مع استخدام نفس الكلمات الدلالية للبحث، بل إن بإمكان محرك البحث غوغل حتى التنبؤ بما يروم المستخدم البحث عنه قبل تزويده بكامل النص الدلالي. وبالإضافة إلى غوغل، فإن لتطبيق فيسبوك هو الآخر خوارزمياته في التحليل التي تتيح للتطبيق أن يعرف تفضيلات الأشخاص ويزودهم بما يودون قراءته أو مشاهدته. وإلى جانب ما يمتاز به من قدرة على إقناع المستخدمين بصرف وقت أكبر في تصفح الموقع، له ميزة تجارية تتيح للمستخدم أن يرى ما يحتاجه فعلا في حياته أو ما يثير اهتمامه من حاجيات، مما يزيد من فرصة شرائه عبر الموقع أو تفاعله مع الإعلانات على الأقل، مما يرفع أرباح الموقع. التجارة الإلكترونية كانت البداية لفكرة التجارة الإلكترونية مبكرة جدا، فمنذ تدشين نقل المعلومات إلكترونيا في ستينات القرن العشرين أصبح بالإمكان نظريا نقل الأموال والطلبيات عبر الهاتف أو ما شابه، لكن الأمر كان بانتظار مخترع متفتح العقل مثل ميشيل آلدرج لينفذ الفكرة. ويُعد آلدرج الأب الحقيقي لفكرة التسوق الإلكتروني أو ما أطلق هو عليه التسوق عن بعد (تلي شوبينغ). ابتدأت الفكرة بتدشين خدمة توصيل الحاجيات في متجره ليطورها سريعا عبر استخدام التكنولوجيا المتاحة في وقتها لما أصبح يُسمى التسوق عن بعد. المعرفة وتدفق المعلومات بحرية نقطة إيجابية لأصحاب الأعمال فإنها بحق أكثر إيجابية للمستهلكين أنفسهم وكانت تلك الفكرة بداية السباق الذي قاد إلى ظهور عمالقة التسوق الإلكتروني كمتجر أمازون الذي ابتدأ على شكل متجر لبيع الكتب عبر الإنترنت في منتصف تسعينات القرن العشرين. وباعتباره يعتمد كليا على البيع الإلكتروني ولا يحتاج إلى دفع تكلفة إنشاء متاجر حقيقية، فقد نمى أمازون سريعا وتوسعت بضائعه لتشمل كل شيء تقريبا من أثاث المنزل إلى المستلزمات المكتبية مرورا بالملابس وحتى المواد الغذائية. ويوفر موقع أمازون وغيره من مواقع البيع الإلكتروني خصلة ممتازة تتيح للمشترين ترك انطباعهم وتقييمهم حول المنتج الذي يشترونه، وهم بذلك يساعدون الباعة على تفادي المشكلات في بضاعتهم، كما أن هذا الأمر يعتبر ترويجا للمنتجات الجيدة في الموقع، وهو ما يلعب دورا إيجابيا مزدوجا ينتفع به البائع والمشتري على حد السواء. دخلت عملية التجارة الإلكترونية في السنوات الأخيرة مستوى جديدا من التنافس، فبظل الكم الهائل من بيانات المستخدمين التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي واستخدام الإنترنت، أصبح الشاغل الأول لعمالقة التجارة الإلكترونية هو كيفية البقاء في المنافسة على مختلف الأصعدة. فمن ناحية، تحتاج الشركات للترويج لبضائعها وهذا يتطلب معرفة باحتياجات الزبائن، ومن ناحية أخرى تحتاج لأن تقدم بضائعها بأسعار تنافسية في نفس الوقت تضمن لها هامش ربح كبير. وعلى ذكر الأرباح، فإن تقليل تكلفة الإنتاج والتركيز على البضائع التي يسهل تسويقها يسهم بشكل كبير برفع الأرباح، الأمر الذي يحتاج مرة أخرى إلى معرفة ميول المستخدمين وتفضيلاتهم. إنها دوامة هائلة من المعلومات المتدفقة التي تحتاج لمن يقوم بتصفيتها وتقديم القرارات الجاهزة لأرباب العمل ومساعدتهم على التخطيط للمستقبل وهنا يأتي دور البيانات المعقدة. لكن وسط هذا السباق المحموم ما الذي سيجنيه الزبون. هل هو مجرد ضحية لما يجري خلف الكواليس؟ في الحقيقة إن الأمر على خلاف ذلك، فبحسب جون نيغتون، أستاذ الفهم العام للتكنولوجيا والإنترنت في الجامعة المفتوحة والكاتب في الغارديان، يتيح عصر التسوق الإلكتروني نوعا من المساواة في توفير المعلومات للبائع والمشتري على حد السواء، حتى أن بعض المحلات التجارية أصبحت تقدم ضمانا بإرجاع فارق السعر للسلع التي يوفرها منافسوها بأسعار أقل. فكما أن المعرفة وتدفق المعلومات بحرية نقطة إيجابية لأصحاب الأعمال فإنها بحق أكثر إيجابية للمستهلكين أنفسهم. كاتب عراقي :: اقرأ أيضاً نواكشوط عاصمة مهددة بالغرق التسوق الذكي: سلة ذكية ضمن خدمات باناسونيك