غني عن القول أننا دخلنا ما يسمى في القاموس الاقتصادي بعصر المال الفيات والذي يتكوّن عبر سياسات رسمية تتبنّاها الدول ومن أهمها العملة المحلية التي تعتبر من ممارسات السيادة الوطنية، وكلما توغّلنا في سنوات العصر المال الفيات يصبح من الضروري أن ندرك أن لا اقتصاد وطني حقيقي ومتوازن بدون طرق معبدة ووسائل تنموية أخرى ذات صلة أو بعبارة أدق يصعب تكوين اقتصاد وطني مستدام بالمملكة بدون طرق وكهرباء ومياه وتعليم وغطاء صحي وأمن مستتب واستقرار اجتماعي متين الأسس وقوي العُرى، وهي من الأساسيات والأولويات ومن الأهداف الاقتصادية للوطن بل وتصنف كأهداف عامة في معظم الأحيان لأنها بأهمية تحقيق المصالح الوطنية العليا اجتماعية كانت أو ذات صلة بالازدهار الاقتصادي المستدام، ويعتبر تطويرها في أهمية وجود عملة وطنية كالريال. ومع أهمية تلك الأساسيات فإنها تختلف عن العملة الوطنية باعتبار العملة سواء كانت ريالا أو دولارًا ليست مستودعًا للقيمة بقدر ما هي وحدة محاسبة وقياس ذلك لأن المال الفيات يستخدمها كوسيلة لاتمام العمليات التجارية من بيع وشراء داخل الاقتصاد وأيضًا لسداد الضرائب والرسوم الحكومية وتسوية المطالبات، مما يعني أن ليس ثمة قيمة بداخل العملة ولكنها كوحدة للقياس مهمة ليس للقياس فحسب بل إن أهمية العملة في أي اقتصاد بأهمية وجودها فلو أن الحكومة امتنعت اليوم عن ضخ كميات من العملة الوطنية في الاقتصاد فإن ذلك سينعكس تلقائيًا على حياة وجيب الفرد وعلى العملية الاقتصادية برمتها، لأنه يستحيل جلب الريال من أي جهة أخرى غير مصدره الشرعي الذي يحتكر إصداره مما يصح معه الاستنتاج بأنه متى قلّت العملة في أيدي الناس لجأوا للاستلاف من الأثرياء عبر المصارف الخاصة بفوائد مركبة وهو ما يفسر لماذا تفرض المصارف الخاصة فوائد عالية والتي حتمًا سترتفع بارتفاع الطلب على الاستدانة وفي المقابل يتبين أثر العملة التضخمي متى كان حجم ما تضخه الحكومة في الاقتصاد بأكثر مما هو مطلوب يقود تلقائيًا لتضخم في الاقتصاد المعني. الشاهد أن لا قيمة كامنة في العملة ذاتها رغم أهميتها التي تعكسها القيمة التي تحدثها في تطوير البنية التحتية من طرق ووفرة كهرباء ومخرجات التعليم ومنافع المياه وصحة وغيرها مما يولّد قيمة حقيقية في هذه الأساسيات التنموية. ولهذا يصح الاستنتاج أن دور العملة الوطنية الوظيفي في عصر المال الفيات يتصاعد مما يحتاج لتداول أوسع ولاستيعاب لدوره الوظيفي وأرجو من خلال هذه السطور المتواضعة أن أفتح نافذة لذلك التناول ويُرجى أن يكون على المستوى الوطني لأن تصويب النظر في الدور الوظيفي للعملة يساعدنا في التخطيط لمستقبل أجيال الوطن ولتحقيق النجاح في تنمية متوازنة وأيضًا لمعالجة أي خلل يصاحب سعينا الحثيث لتحقيق الأهداف الوطنية التي سيقاس نجاحها بتوظيف كل أدوات التنمية الاقتصادية ومنها العملة في عصر المال الفيات.