ليس لدي إحصاءات حول تأهيل قادة العمل الإداري في القطاعين الحكومي والخاص، ولكنني أكاد أجزم أن كل قائد إداري لا بد وأنه حصل على بعض التدريب في الخارج. وبينما يسهل على المؤسسات الخاصة تقييم المدير من خلال الأرباح، فإن هذا غير ممكن في الجهات الحكومية التي تضع مؤشرات لحسن الأداء ولكنها لا تأخذ بها عند تقييم المؤسسة. وتعتمد معظم المؤسسات على ما يسمى شهادة اعتماد الجودة العالمية، التي تعتبر مضللا أكثر من مرشدا، ويعود ذلك لأنها تعتمد على إجراءات شكلية. من أهم معايير شهادة الجودة العالمية الالتزام بالإجراءات الدقيقة من حيث التوثيق والتدقيق وسير العمل كما هو مقرر في الخطة الاستراتيجية، وإثبات ذلك في التقارير السنوية، وهناك معايير للموارد البشرية واللوجستية والتدريب والتطوير وضبط الجودة، وتطلع اللجان التفتيشية على كافة ما يجري في داخل المؤسسة، وإذا رأت أن المؤسسة منظمة تنظيما فائقا، فإنها تمنح شهادة الاعتماد. غير أن شهادات الاعتماد لا تعكس مدى الفاعلية، إذ أن المؤسسة يجب أن تقاس فاعليتها من خلال تحقيقها للنتائج المرجوة. فإذا كان هناك مدرسة تلتزم بكافة المعايير ولا تزيد نسبة المعلم للطلاب عن 1 إلى 25، فهذا لا يعني أن المدرسة ممتازة، ولكي يجري تقييم المدرسة بصورة عملية، يجب أن يقاس مدى تحقيق الطلاب للمهارات التي ينبغي عليهم أن يتقنوها في كل مرحلة. فإذا أتقنوها، يمكن القول أن المدرسة جيدة، وإذا فشلوا في ذلك، يجب ألا تمنح المدرسة شهادة الاعتماد، ولكن ما يجري يقيس الإجراءات وليس النتائج. فهناك مستشفيات يموت فيها معظم مرضى القلب، ومع ذلك فهي تحصل على شهادة اعتماد عالمية، وهناك دائرة قانونية تخسر نصف قضاياها، فلا يمكن منحها شهادة اعتماد الجودة، وهناك جامعة لا يخرج منها اختراع واحد، وتكدس الأبحاث النظرية على رفوف مكتبتها لكي تجمع الغبار، فلا يمكن اعتمادها. إن المقياس الصحيح هو تحقيق النتائج، وإذا فشلت المؤسسة لعدة أعوام يجب تغيير إدارتها بالكامل، على عكس ما يدعي البعض بأن الإنسان يجتهد ويطبق الإجراءات، وإذا فشل لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا هو منطق المفلسين، حيث أن التقييم الحقيقي يتم بقياس مدى تحقيق النتائج، وليس مجرد الالتزام بالإجراءات، فالطبيب إذا جاءه مريض يشكو من الدوخة، فهناك علاج للدوخة ويمكنه أن يكتبه له، دون التطرق إلى سبب الدوخة، فقد يكون السبب الأذن أو العيون أو فقر الدم أو الجيوب الأنفية أو أسباب نفسية. وفي هذه الحالة يصف الطبيب العلاج لإزالة الدوخة ويقوم بواجبه وانتهى الأمر. ولكن ليس هذا هو المطلوب، وفي هذه الحالة لا يتم التحقق من الأداء السليم للطبيب. إن القيادة الإدارية مسئولة مسئولية تامة عن نتائج المؤسسة، فالمدير العام ينبغي أن يكون تعيينه قد تم لأنه يتمتع بصفات قيادية تشمل الكفاءة المعرفية والسمات الشخصية والركيزة الأخلاقية، وليس لأنه من عائلة عريقة، وهذه ثلاثة جوانب ترفع المؤسسة في حال وجودها وتخسفها في حال غيابها. والمدير العربي بطبيعته يفوض الصلاحيات ولا يتابع تحقيق الأهداف، ويتفرغ هو للعلاقات العامة واللقاءات الإعلامية وتلميع صورته، وقد تحصل المؤسسة على شهادة الاعتماد بسبب حسن أدائها على الرغم من ضعف نتائجها. وهذا ينطبق على مديرة المنزل وحاكم الدولة على السواء، إذ يجب أن ينصب التقييم على تحقيق النتائج وليس على الالتزام بالإجراءات على الرغم من أهميتها. وبهذا فإن شهادات الاعتماد التي تحصل عليها المؤسسات فارغة من مضمونها. أبرز مثال على فشل الالتزام بالإجراءات في تحقيق النتائج هو المدارس الحديثة المزودة بالألواح الذكية وتقنية المعلومات وأجهزة العرض، بينما الطالب يفشل عندما يجلس لامتحان السيبا أو السات وغالبا ما تكون الدول العربية في ذيل قوائم الدول من حيث الترتيب في الامتحانات الدولية، والسبب أن المؤسسات اهتمت بالشكليات إلى أبعد حد على حساب المضمون. وهناك أمثلة كثيرة منها تحقيق نسبة نمو عالية في بعض البلدان من القطاعات الخدمية، وهذا لا يعكس تقدما في الدولة لأنها لا تعتمد على الإنتاج، وكذلك المستشفيات التي تزيد فيها نسبة الوفيات، وكذلك مراكز الأبحاث التي لا تبتكر، وكل مؤسسة أخرى في المجتمع. خلاصة القول، ليس هناك مبرر لدعوة المنظمات العالمية لقياس مدى الجودة في المؤسسة، إذ يكفي دراسة النتائج للحكم على المؤسسة بأنها ناجحة أو فاشلة، وتلعب القيادة الإدارية دورا محوريا في ضبط سير العمل والتقييم المستمر، عندما ينزل المدير إلى الميدان ويطلع عن كثب على سير العمل ومن ثم يقوم بفحص النتائج ومعرفة سبب النجاح أو الإخفاق، واتخاذ الإجراءات التصحيحية. سهى الجندي