ما زلت في أجواء معرض الرياض للكتاب، وهي أجواء مبهجة اجتماعيا وثقافيا، ولعدة أسباب، لا مجال لذكرها الآن، يعتبر المعرض أفضل معرض عربي من حيث حجم الحضور وكم المبيعات، وإن اعتبره البعض مهرجانا ترفيهيا، وربما عد كذلك لقلة أوجه الترفيه التي تحيط بنا. كان مبهجا أن ترى الأطفال يتصفحون كتابا مشدوهين بما فيه ثم يخرجون بما تنوء به حقائبهم المدرسية التي اصطحبوها لحمل ما اختاروا، بل رأيت شيبا وشبانا من الجنسين يجرون عرباتهم وقد ملئت كتبا، قد يقول قائل وهل سيقرأون، لن ندخل في النوايا، ولكن في ظل «الراتب ما يكفي» من الصعب أن يضحي الفرد بجزء من ثروته لشراء كتب ثم يهملها. المزعج حقا وجود بعض الفضوليين ممن نصبوا أنفسهم حراسا للفضيلة كوظيفة يزايدون بها على رجال هيئة الأمر بالمعروف الذين كنت ألمس سماحتهم وتسامحهم مع كثير من الهامشيات مقارنة بتشدد هؤلاء المصطنع بغية الرؤية والسمعة، ولا أحكم على نياتهم هنا، إنما على أفعالهم. وهذه نقطة يجب أن توضح، هناك هيئة رسمية مسئولة عن القيم والأخلاق في مجتمعنا، وهي مقبولة اجتماعيا برغم تجاوز بعض أعضائها، إن كانت تنقص عددا وجب تعزيزها، أما ترك الحبل على الغارب لكل من تشبه برجال الهيئة مظهرا لفرض رأيه ومنطقه، فهذا أدعى للفوضى وهو ما حدث وتكرر خلال أيام المعرض العشر. بدا وكأن هناك نية مبيتة لإفساد أجواء المعرض وبهجة الناس به، تجلى ذلك في تصرفات هوجاء لا تقرها رجاحة العقل ولا تتحملها حكمة الشريعة، المسرحية السمجة حول ديوان الشاعر الفلسطيني محمود درويش رحمه الله، بطلها شخص نصب نفسه ناقدا فنيا، واجتزأ نصوصا أخرجها من سياقها ووقف كمنظمي المظاهرات يصيح بحرمية ما قيل، وكان يمكنه بقليل من حسن التصرف المطالبة بسحبه من مسئولي المعرض ولكنها شهوة الكلام وحب الظهور. طالبنا مرارا بدورات تأهيلية لرجال الهيئة، وفرحنا ببداية تلك الدورات، هل علينا أيضا المطالبة بتدريب المتعاونين معهم من الباطن ؟ دار النشر التي أغلق ركنها، كان يمكن أن يتم ذلك بقليل من الهدوء والتنظيم، والسؤال هنا عن طبيعة التعاقدات والجزاءات الممكن فرضها، اعترض بعضهم على مسرحيات لتضمنها بعض الخلفيات الموسيقية، واوقفوا أمسيات شعرية، بالمجمل نجحوا في دفع المعرض خطوة للوراء عن انجازاته السابقة، والسؤال لمصلحة من ؟ هل قرآننا الكريم ضد القراءة وقد بدأ بطلبها، أو سنة نبينا ضد المعرفة وقد حث عليها صلى الله عليه وسلم، نعم يعتمد على نوع المعرفة، لكن وبدون التدخل في نوايا الناس، هل يمكن أن يقرر النوع من هو جاهل بالكل ومخاصم للعصر علما وثقافة ؟.