×
محافظة مكة المكرمة

أمير مكة يناقش مقترحات تنفيذ طريق الملك فيصل «الدائري»

صورة الخبر

"تأصيل نظري" تبين الدراسات التاريخية قِدم طبيعة الفساد على الأرض أو بين المجتمعات الإنسانية والذي يعني، بصورة مبسطة، استغلال المال العام (public office) في أغراض شخصية. قديماً، لم يكن الفساد مجرد تقديم رشوة لموظف عام، وإنما كل شكل من أشكال السرقة للمال العام أو الاعتداء عليه. يُنظر في العصر الحديث للفساد باعتباره نتيجة عرضية لوجود عوامل المنافسة وبحكم التطور والتنمية الاقتصادية الجارية، وكلما مالت التجارة إلى الاحتكار بعيداً عن قيمة المنافسة الكاملة زادت شبهة الفساد بصفة رسمية، فتصبح الرشوة قاعدة أساسية لإنجاز المصالح الخاصة، بالتحايل على الإجراءات والقواعد الرسمية الموضوعة مسبقاً. فالرشوة على سبيل المثال، أصبحت في بعض المجتمعات الحديثة قاعدة رئيسية لإنجاز المهام وقضاء الحاجات، سواء بالتوافق مع القانون أو بالمخالفة له. كما يُنظر للفساد على أنه حالة من الغموض تنتاب إجراءات العمل الرسمية الموجودة بدولة ما. وقد يكون تعبيراً عن ثقافة شائعة، بمعنى أن ما يقال عنه إنه فساد بدولة ما قد لا يُنظر له النظرة نفسها بدول أخرى، كما تختلف النظرة للفساد أو تأويله تبعاً للظروف الزمنية أو المكانية أو الاجتماعية أو الاقتصادية الجارية؛ فنجد مثلاً أن مجموعة الدول جنوب شرقي الآسيوية والتي كانت معروفة بالنمور الآسيوية كانت تنتشر بها أعلى معدلات فساد بالعالم. كما تشير هذه الدراسة إلى أن الفساد ينتشر بدعم أو تراخي النخبة الحاكمة له بالدولة. هل الدول الغنية نظيفة بينما الفقيرة فاسدة؟ لا يمكن الجزم بحقيقة أن الفساد قرين على وجود الفقر أو ملازم له كظله، لكن على النقيض لا نجد الدول الصناعية الغنية خالية تماماً من الفساد. المؤكد أن الفساد ليس حكراً أو قاصراً على مجتمعات إنسانية بعينها، كما لا يرتبط بالتصنيع أو بالوضع الاقتصادي؛ بل يرجع بالأساس إلى غياب قيم الشفافية والمشاركة والمساءلة والحرية والديمقراطية على المستوى العام، فكلما كان الفرد المواطن بعيداً عن دائرة صُنع القرار أو صانعي وواضعي السياسات، أُتيح المناخ لظهور بوادر وعلامات الفساد بالمجتمع، والعكس بالعكس، ولعل هذا هو السبب الرئيسي في قلة أو ندرة حالات الفساد بالدول الصناعية، بينما هي عالية ومتفشية كالوباء بالدول الفقيرة. من ناحية أخرى، لا يمكن لأي فرد أن يشككّ في عدم أخلاقية الفساد، لذلك نرى اليوم أن البحث في جذور الفساد ومحاربته والقضاء عليه تأتي دائماً على رأس الأولويات والأجندات السياسية بغالبية دول العالم، حتى إن السنوات الأخيرة قد شهدت زخماً فكرياً وشلالاً من البحوث والدراسات والمقالات العلمية المهتمة بتأصيل ظاهرة الفساد وكيفية التصدي له. وتعتقد المنظمات الدولية أن في الشفافية والمساءلة العامة خير وسيلتين للحدّ بدرجة كبيرة من الفساد، بخلاف ضرورة إعداد المناخ التشريعي الملائم للتعامل الجدّي مع هذه الظاهرة. الفساد: شر أم خير؟ الموضوع الرئيسي للجدل المثار حول قضية أو مشكلة الفساد، أن الرشوة تعد طريقة كافية بذاتها للالتفاف على الأعباء التي تفرضها اللوائح والتشريعات المنظّمة للعمل الحكومي أو المقيّدة لتحركات القطاع الخاص، كما تعكس الرشوة أيضاً عدم فاعلية النظام القانوني والتشريعي الموجود بالدولة، لذا تعد الثغرات التشريعية الموجودة بالنظم القانونية بدولة ما أو عدم واقعيتها وسيلة أو إشارة جيدة للقطاع الخاص للتحايل على هذه النصوص وتغليب المصلحة الخاصة عليها بصورة تحقق منافعها، على حساب المجموع العام بالدولة. من المدارس الفكرية المدافعة عن الفساد، وبوجه خاص الرشوة، "تيار مناقض للاتجاه العام"، حيث يرى في الرشوة وسيلة جيدة لتحسين الكفاية الإنتاجية، من خلال التغلب على الوقت المستنفد أو المستهلَك في الإجراءات البيروقراطية العقيمة لأداء الأعمال، وأنه في دفع مقابل للخدمة لسرعة إنجازها، وسيلة ثانية للحدّ من تدفق الأموال؛ أي تقييد فعلي لوجود الرشوة بعد ذلك. ولكن في الهند -وهي دولة تشهد أعلى معدلات رشوة بين كبار مسؤوليها- لم تتمكن بعد من تضييق الخناق على تدفق الأموال السريعة الناجمة عن الرشوة والتي تسبب في النهاية دماراً كبيراً لعمليات الإنتاج وتوزيع فائض الثروة الاقتصادية بالعدل على الناس أو في الاعتداء على التشريعات والنظام القانوني الموجود. يرى البعض تبريراً للرشوة، أنها تعمل كآلية لإعادة توزيع الثروات ومنافع أو ثمار التنمية من الطبقة الأكثر ثراء لتلك الأكثر فقراً بالمجتمع؛ أي إنها تقوم بمقام البرامج الاجتماعية المناهضة للفقر. ولكن، بالنظر بتعمق لمفهوم أو كيفية سير الرشوة، نجد أنها تخدم فئة محددة من السكان لا تنتمي إلى شريحة الفقراء بأي حال من الأحوال، حيث يحصل هؤلاء على أموال سريعة من دون مجهود يذكر، وأن هذه الأموال التي تنفق أو تمنح لهم كرشىً، تمثل عبئاً في النهاية على قدرة الأفراد على الحصول على الخدمات والمنتجات الأساسية، وبمعنى أن مقدم الرشوة أو الراشي، يعمل على تحميل هذه الأموال على تكلفة المُنتج النهائي أو على الخدمة، ومن ثم نجد وبخلاف تدني مستوى الجودة للخدمة أو للسلعة، ارتفاعاً كبيراً في قيمتها أو سعرها، ومن ثم يعجز الفقير أكثر عن الوصول لها أو لدفع مقابلها، ومن ثم نجد أن الرشوة تسهم بدور كبير بصورة فعلية في دفع الفقراء للمزيد من الفقر والعوز. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.