دائماً ارتبط ذكر الأمثال الشعبية بمواقف وأفعال، يلخصها المثل بكلمات قصيرة ورائعة، ومن أهم تلك الأمثال "الضحك بدون سبب قلة أدب"، وكثيراً ما نستعمل هذا المثل لوصف إنسان بصفة مُهينة على الرغم مما فعله ليس عيباً ولكن جاء به في غير موضعه، وحاولت قياس التصفيق بدون سبب على هذا المثل الشعبى الرائع ليصبح "التصفيق بدون سبب قلة أدب"، ولكن لم أصل للمعنى الحقيقي والمطلوب فقمت ببعض التعديل عليه ليصبح "التصفيق بدون سبب كذب". لست أدري متى ظهر التصفيق في التاريخ؟ وأغلب الظن أنه ظهر عندما ظهر الكذب أيضاً*، ما دفعني لقول هذا المثل أسباب كثيرة، في مجالات مختلفة في عالمنا العربي، أصبح التصفيق عادة لا يمكن السكوت عليها، ولا نستطيع إنكار وجود التصفيق في باقي بلاد العالم، لكنه يكون بطريقة أخرى، أكثر انتظاماً وهدوءاً، فنادراً ما تتم مقاطعة المتحدث، ويكون التصفيق في نهاية الحديث بطريقة معتدلة تتناسب مع حجم المتحدث العلمي أو السياسي أو الإداري أو الفني، وبمدى اقتناعهم ورضاهم بما يلقيه عليهم. أما في عالمنا العربي تجد العجب في كل المجالات حتى في مجال الإدارة، الشركة في أزمات مستمرة وتتهاوى، وأثناء اجتماع المدير مع فريق العمل تجد تصفيقاً حاداً ومقاطعة للمدير في كثير من الأحيان لإتمام عملية التصفيق، هل المدير استأجر أناساً للتصفيق أثناء الاجتماع؟ أم التصفيق للتعبير عن مدى رضا الجميع عن الوضع الذي وصلت له المؤسسة؟ أم التصفيق يزيد من فرص الترقي الوظيفي؟ وتزداد حدة التصفيق كلما زادت مكانة المتحدث حتى نصل إلى حالة من الجنون عند الوصول إلى المناصب السياسية، وخصوصاً منصب سيادة الرئيس، تجد تصفيقاً حاداً وطويلاً عند ذكر كلمات محددة تتكرر في كل خطاب بطريقة تدعو إلى الضحك وليس التصفيق، لست أدري لماذا لا يمل هو من ذكرها؟ ولا يصيبهم الملل من كثرة التصفيق عند سماعها؟ فإذا نظرت إلى الواقع تجد هؤلاء النخب لا تستحق التصفيق على الإطلاق؛ لأنها لم تؤدِّ المطلوب منها في كل المجالات، ففي كل لقاء تأتي بحلول عقيمة تعتمد على الاستجداء وتُلقي باللوم على عاتق الشعب الطيب وتتهمه بأنه السبب في غياب التنمية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار بطريقة شبه يومية وانهزامات سياسية واضحة للقاصي والداني. إذاً حضرات السادة الحضور.. التصفيق يعني أن هؤلاء المسؤولين قاموا بواجبهم على أكمل وجه، والشعب هو السبب كما تتهمه حكوماتكم، وهذا غير صحيح، وتصفيقك أصبح شهادة بالكذب تدفعهم لمزيد من اللامبالاة والكسل في تأدية واجبهم نحو الوطن وأهله الكرام، التصفيق بدون سبب كذب ونفاق، تندفع الناس إليه بسبب الجهل أو الرغبة في خلق قائد يحمي مصلحتهم الشخصية، أو الدفع مقابل التصفيق، ولكن هناك مجموعة أدمنت التصفيق فهي تصفق في كل العهود دون الاهتمام بالمرجعية والانتماء للحاكم، وهؤلاء يجب أن يتم علاجهم من مرض الإدمان في أقرب وقت؛ لأنهم خطر على الجميع. لم أجد أفضل مما قاله الإمام الشعراوي -رحمه الله- في هذا الموضوع: "إن لم تستطِع قول الحق فلا تصفق للباطل"، ولكن هل ستكون قادراً على تحمل عواقب ضبطك وعدم تصفيقك؟ تم أخذ العبارة من كتاب "والله زمان يا حب" لأنيس منصور. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.