د. محمد الصياد عجز ميزان المدفوعات البحريني ناجم عن خلل في الميزان التجاري نتيجة تراجع إجمالي قيمة الصادرات البحرينية والناتج تحديداً عن الانخفاض الكبير في إيرادات الصادرات النفطية ذكرنا في مقالنا السابق حول عجز ميزان المدفوعات البحريني الذي تم تسجيله نهاية العام المالي 2015، والذي بلغ 282.8 مليون دينار، أن ميزان المدفوعات باعتباره كشفاً لحساب، أو سجلاً لكامل المعاملات الاقتصادية التي تُنشئها أية دولة، سواء كانوا أفراداً، أو شركات، أو حكومة، مع البلدان الأجنبية خلال سنة قياس هي في العادة سنة واحدة، يتكون من عناصر ثلاثة رئيسية، هي على النحو التالي: العنصر الأول هو الميزان التجاري، الذي يشمل إجمالي قيمة الصادرات من السلع المنظورة، وصادرات السلع غير المنظورة، أي الخدمات، وهي تشمل سلة واسعة من الخدمات، مثل الاستشارات، والنقل، والسياحة، والتأمين وغيرها. وهذا العنصر يشكل الثقل الرئيسي لميزان المدفوعات. والعنصر الثاني وتمثله التحويلات المالية، مثل أرباح الشركات وحقوق الأفراد المالية المحولة، وفوائد القروض والهبات والمعونات ونحوها. وهذان العنصران، أي الميزان التجاري، وحساب التحويلات المالية، يشكلان معاً ما يسمى بالحساب الجاري (حساب العمليات الجارية). والعنصر الثالث ويتمثل في حساب رأس المال ويشمل استثمار رؤوس الأموال قصيرة الأجل (أقل من سنة)، ورؤوس الأموال طويلة الأجل (أكثر من سنة)، والاحتياطي الذهبي، والاحتياطي من العملات الصعبة وحقوق الدولة لدى صندوق النقد الدولي من النقد الأجنبي وحقوق السحب الخاصة. وعلى ذلك، فإنه لكي نتمكن من اختيار الوصفة المناسبة لمعالجة هذا العجز، يتعين علينا أولاً فحص مكمن الخلل في ميزان المدفوعات، هل هو في الباب الأول (الميزان التجاري) ناجم عن تخطي قيمة الواردات السلعية والخدمية لقيمة الصادرات؟ أم هو في الباب الثاني ناجم عن تخطي إجمالي التحويلات المالية للمقيمين إلى بلدانهم، إجمالي التحويلات المالية الخارجية إلى داخل حدود الدولة؟ أم هو في الباب الثالث ناجم عن حاصل الفرق بين التدفقات الرأسمالية من الداخل إلى الخارج والأخرى من الخارج إلى الداخل؟ واقع الحال، وكما بينه مصرف البحرين المركزي عن حق في نشرته الإحصائية الشهرية، أن العجز المذكور ناجم عن خلل في الباب الأول، أي في الميزان التجاري نتيجة لتراجع إجمالي قيمة الصادرات البحرينية، والناتج تحديداً عن الانخفاض الكبير في إيرادات الصادرات النفطية، بسبب انهيار أسعار النفط، ومنها سعر خام حقل أبو سعفة النفطي الذي تصدر البحرين كامل حصتها منه كنفط خام. السؤال الآن هل هو عجز مؤقت، أم هو عجز هيكلي مزمن؟ والإجابة أنه عجز مؤقت، مرتبط بعامل خارجي متمثل في حدوث اختلال كبير في قوى السوق (العرض والطلب)، في ما خص سلعة النفط. وهو سبب يمكن أن يزول مع مرور الوقت نتيجة لاستعادة السوق النفطي لتوازنه (عرضاً وطلباً)، نتيجة لتدخل منتجي النفط في السوق بالاتفاق على تخليص السوق من الفائض في المعروض، وهو ما حدث في اجتماع أوبك الأخير في فيينا، حين اتفقت الدول الثلاث عشرة الأعضاء في أوبك مع 11 دولة منتجة للنفط من خارج أوبك على خفض مشترك لإنتاجها بواقع 1.8 مليون برميل يومياً اعتبارا من أول يناير/كانون الثاني 2017، ويمكن أن يطول به المقام في حال لم يلتزم المنتجون باتفاقهم، وكذلك في حال فقدان الاتفاق لزخمه الصعودي إذا ما أفضت سياسة تعطيش السوق (المتفق عليها عملياً، ولو بصورة مؤقتة) إلى ارتفاع في سعر البرميل يقود إلى عودة قوية لمنصات الحفر في حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة. وبحسب معطيات الأساسيات الاقتصادية، والأخرى الفنية المرادفة، فإن متوسط سعر برميل النفط في عام 2017، ربما تراوح بين 60-70 دولاراً. وهذه حصيلة غير كافية بحد ذاتها لسد الفجوة في ميزان المدفوعات البحريني، بين مقبوضاته وبين مدفوعاته بالعملة الصعبة. ولذا سوف يتعين البحث عن معالجات أخرى مساندة وعدم الانتظار لسنة مالية أخرى على أمل تواصل الزخم الصعودي لسعر برميل النفط، لأن في ذلك مراهنة غير مضمونة من شأنها تحويل العجز من مؤقت إلى هيكلي متوسط، ومن ثم بعيد المدى، ما يجعل سعر صرف الدينار البحريني غير مغطى بشكل جيد، ويعرضه لهجمات المضاربين في أسوق القطع الأجنبي. ويمكن أن تشمل المعالجات البابين الأول والثاني على نحو خاص، وتحديداً اتخاذ إجراءات لترشيد وترشيق فاتورة الواردات، وإجراءات أخرى (ربما كانت غير شعبية) لخفض سقف قوة العمل الأجنبية في سوق العمل البحريني من أجل تقليص قيمة التحويلات المالية للخارج.