اختفت البسمة من على الشفاه وحل محلها التجهم والعبوس ويحاول المواطن سرقة ضحكة يواجه بها أيامه فلا يفلح، وينتظر الفرحة فلا تأتي؛ ورغم قيام ثورات ما يعرف بالربيع العربي في بعض الدول العربية إلا أن الوضع ازداد سوءاً وسيطر الحزن على الجميع وفى ظل هذه الأوضاع السيئة ومتطلبات المعيشة الصعبة ويضاف إلى ذلك ضبابية المشهد السياسي أصبح السؤال الذي يطاردنا أينما سرنا هو.. ما سبب اختفاء الضحكة ومن المسؤول؟ الضحكة غابت من كثرة التعب يرى شعبان ناجي « شاعر وقاص» أن الضحكة غابت من كثرة التعب الذي يمر به الإنسان والإحساس الذي ينتابه نتيجة الظلم وعدم حصوله على حقوقه داخل وطنه وستعود الضحكة عندما يوجد نظام يشعر بهموم المواطن وتكون هناك سياسة واضحة المعالم. ويقول محمد خلاف «مدير بإحدى الشركات الخاصة»: الأوضاع التي تحدث على الساحة تجعل الإنسان لا يستطيع الضحك وحتى لو ضحك فإنها تكون ضحكة عابرة ليست نابعة من القلب. ويضيف محمد عطية «مدرس»: غلاء المعيشة وضغوط الحياة المتزايدة وتربية الأولاد ومشاكلهم والمشاكل التي تقابل كل واحد منا والخراب والفساد الذي نراه والبطالة كلها أمور تجعل من الضحكة أمراً عسيراً. ويشير كامل يحيى «تاجر كتب قديمة» إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيش فيها، والتي يعاني منها كل شاب والعائد المادي الذي لا يكفي أن يحيا به بالتأكيد يجعل الإنسان صديقاً للهموم والأحزان لا تفارقه التكشيرة؛ فالحياة أصبحت صعبة والشاب يشعر وكأنه كهل من المصاعب التي يقابلها. وتتساءل أمل خطاب «معلمة» قائلة: كيف نضحك ونحن نعيش مسلوبي الإرادة وذلك على الرغم من قيام أكثر من ثورة. ويرى محمد مبروك «صحافي» أن البطالة ومشاكل الشباب الذي فقد الأمل في تغيير ظروف المجتمع؛ فعائل الأسرة لم يعد قادراً على أن يوفر أبسط المتطلبات الأسرية ومصاريف الدراسة. ويؤكد يحيى محمد أن سبب اختفاء الضحكة يرجع إلى الفقر الذي يخنق أي ضحكة وليدة ولإحساسنا الدائم بالقهر. أما أحمد يونس «ليسانس آداب» فيقول الأسعار مرتفعة والمواصلات أصبحت حاجة تخنق وبعد تخرجنا سنأخذ مكاناً على الرصيف ونصبح في عداد العاطلين، ولذلك لا بد أن تختفي الضحكة. وتقول حورية السيد «ربة منزل»: أنا حاسة إن الضحك الآن مستحيل بسبب الذي نراه ويقابلنا كل يوم. ويقول حسين العزب «بائع صحف»: لم يعد أحد يضحك من قلبه ولا أرى على وجوه الناس غير التكشيرة.. الناس لم تعد مثل زمان كل واحد ملهي في أكل عيشه وطالع عينه. عملة نادرة ويؤكد رأفت الشورى «مفتش مالي» أن الضحك أصبح عملة نادرة في هذا الزمن، ويتساءل كيف نضحك والأسعار تزداد كل يوم من سلع غذائية ومصاريف كليات ومدارس ودروس خصوصية ومواصلات وأكل وشرب كل حاجة غالية يبقى كيف سنضحك؟ ولماذا نضحك ولو ضحكنا سنضحك على حالنا وليس على أي شيء آخر. ويقول إيهاب عبدالقادر: أنا تخرجت في الجامعة وأخذت أبحث عن شغل لمدة 3 سنوات حتى التحقت بعمل لا يكفيني عائده ولا أعرف كيف سأتجوز ولا كيف أحصل على شقة وأدفع إيجارها فقل لي بالله عليك كيف سأضحك؟! ويضيف محمود فخري «طالب» بالنسبة لي ومن في سني وأصغر فنحن نضحك دائماً لأنه لا توجد مسؤولية لكن أرى والدي في البيت لا يضحك ودائم العبوس لأنه دائم التفكير في مصاريف الأكل والشرب والدروس والعلاج والأسعار التي تزيد يومياً وعنده حق كيف سيضحك وعنده كل هذه المسؤوليات؟ وتتساءل نبيلة الشورى «محاسبة»: كيف نضحك أو حتى نبتسم ونحن نستيقظ الآن على حوادث قتل وخطف واغتصاب وأسعار في ارتفاع يومياً ومشاكل كثيرة في الوطن ونعيش في تعب وتوتر ولم يعد هناك حاجة تفرح. التكشيرة بدل الابتسامة ويرى عبدالله الحلواني «معاش» كل حاجة من حولنا لا تبعث على الضحك ولا حتى مجرد الابتسام مع أني في أوقات كثيرة أضحك لكن «من اللي بشوفه».. معاشي لا يكفي لآخر الشهر أكل وشرب فقط فقل لي من أين آتي بفلوس للعلاج واللبس ومصاريف المدارس والكليات والدروس الخصوصية والمواصلات وتريدنا نضحك إن شاء الله سنضحك «من الخيبة اللي إحنا بقينا فيها»!! ويقول السيد قنديل «أعمال حرة»: خاصم الإنسان الضحك بسبب عدة أمور أهمها زيادة الأسعار باستمرار وكثرة المشاكل التي تنوء بحملها الجبال. فالحياة أصبحت ملأى بالهموم ويضيف رمضان كامل «موظف»: التكشيرة أصبحت ملازمة للإنسان منا بسبب عدم استطاعتنا تحقيق أحلامنا رغم بساطتها فنحن لا نريد الثراء ولكن كل أملنا هو الستر وبسبب شكنا وخوفنا من المستقبل المظلم طلقنا الضحكة بالثلاثة!! أرجع علماء النفس والاجتماع غياب الضحكة إلى الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحالكة. ضغوط الحياة يقول الدكتور طارق فوزي أستاذ علم النفس المساعد بجامعة طنطا: الضحكة تختفي بسبب ضغوط الحياة التي تتراكم فوق الإنسان والضغوط النفسية التي يواجهها وتزداد يوماً بعد الآخر؛ وذلك بسبب أولاً البطالة التي تقضي على طموح الشباب الذي وصل الكثير منهم إلى فوق الثلاثين عاماً ولم يحصل على فرصة عمل مما أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة العنوسة التي تؤثر على نفسية الشباب من الجنسين بالإضافة إلى الإعلام الذي لا يوجد عليه رقابة ويعرض ما يبلبل فكر الشباب. ناهيك عن الإنترنت الذي أصبح كارثة العصر وسيطر على أولادنا وأصابهم بالعديد من الأمراض النفسية وأدى إلى انتشار الفحشاء بصورة كبيرة جداً. بالإضافة إلى ضبابية المشهد السياسي وعدم وضوح الرؤية سواء داخل البلد الذي يعيش فيه الإنسان أو خارجه فالإنسان كائن يتأثر بما يدور حوله من أحداث. ويضيف الدكتور وحيد محمد أحمد أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب: أن اختفاء الضحكة يرجع أيضاً لأسباب اجتماعية عديدة منها وأهمها تفكك الأسرة بحثاً عن لقمة العيش والعناء الذي تواجهه الأسرة مما أدى إلى انتشار ظاهرة الطلاق والخلع وارتفاع نسبة العنوسة بين الشباب والفتيات، وأدى ذلك إلى انتشار الفوضى وظهور الزواج العرفي وزواج الشباب والفتيات من كبار السن مما ترتب عليه زيادة عدد أولاد الشوارع وتخلي الأم عن طفلها لعدم مقدرتها على الإنفاق عليه ناهيك عن البطالة وارتفاع معدل الجريمة الذي انتشر بصورة همجية في الآونة الأخيرة ومنها السرقة التي اعتبرها الكثير من الشعب أنه حق ولا بد من أخذه، والقتل والاختطاف وتجارة الأعضاء التي أصبحت ظاهرة واختفاء الأمن حوّل الضحكة إلى عبوس ورعب.