فَقَد التعليم النسوي بالمملكة في الأسبوع الماضي رائدة كبيرة من رواد التعليم النسوي الأستاذة لطيفة بنت عبدالرحمن بن أحمد السديري التي انتقلت إلى رحمة الله تعالى بعد سنوات طويلة من العمل الريادي التربوي والتعليمي والدعم الحثيث للمسيرة التعليمية النسوية في منطقة الجوف. ففي مطلع الستينيات الميلادية، ومع بدء انتشار تعليم البنات بالمملكة، كان أهالي منطقة الجوف بين متحمس لتعليم بناته لدرجة تسجيلهن في مدارس البنين لعدم وجود مدارس للبنات في المنطقة آنذاك وبين مرتاب ومتردد إزاء فكرة تعليم البنات من أساسها. ولكي لا يفوت قطار التعليم على بعض البنات اللاتي كانت أسرهن مترددة في تسجيلهن بالمدرسة التي تم افتتاحها بعد طول انتظار، بادر الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري رحمه الله الذي كان أميراً للمنطقة في ذلك الوقت إلى تسجيل ابنتيه حصة ولطيفة. وتقول الأستاذة لطيفة رحمها الله في ذكرياتها عن تلك الفترة إن مبادرة والدها لتسجيل بناته كانت بهدف "أن يكُن القدوة لبنات الجوف في العمل بالمدرسة والقيام بعملية التسجيل، فكان شيوع الخبر مبعثاً للثقة في نفوس الأمهات والأسر، وحافزاً للأسر لإدخال بناتهن". وبعد افتتاح المدرسة الأولى للبنات بحي المطر بسكاكا، التحقت لطيفة السديري بالعمل بها، وتولت شقيقتها الأستاذة حصة إدارة المدرسة، واستمرت لطيفة في ممارسة العمل التربوي والتعليمي عبر مواقع متعددة في السلك التعليمي حتى أصبحت مديرة لمكتب الإشراف التربوي النسوي. وقد عُرِف عن السيدة لطيفة السديري اهتمامها بالعملية التعليمية والتربوية بشكل دقيق، وكانت تولي الأنشطة اللامنهجية اهتماماً بالغاً وتشجع على إقامة المسابقات الثقافية بين المدارس وتحضرها بنفسها وتشارك فيها. ومعروف عنها أيضاً رحمها الله اهتمامها بالبيئة المدرسية، فكانت تحرص على سلامة المباني ونظافتها وتوفير كل ما يمكن توفيره من إمكانيات بالرغم من ضعف ميزانيات التعليم في ذلك الوقت. وهناك الكثير من القصص والمواقف التي ترويها الطالبات والمعلمات عن حرص الأستاذة لطيفة على البيئة المدرسية سواء البيئة المادية أو البيئة التعليمية والتربوية. وحتى عندما تركت موقعها الرسمي في الوظيفية التعليمية الحكومية، ظل اهتمامها بتعليم البنات مستمراً من خلال مدارس البنات الخاصة التابعة لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بالجوف التي مارست الإشراف عليها ومتابعة أدائها وأنشطتها حتى آخر أيام حياتها. لقد أخلصت لطيفة السديري للعمل التربوي النسوي وتشجيع الفتاة الجوفية على الانخراط في الدراسة كطالبة وممارسة العمل التربوي والتعليمي كمعلمة، كما دعمت الأنشطة الثقافية النسوية التي كانت تقدمها دار العلوم بالجوف التابعة لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي. نسأل الله ان يتغمد التربوية الرائدة الأستاة لطيفة بنت عبدالرحمن السديري برحمته جزاء ما قدمته لمجتمعها ووطنها وأن يسكنها فسيح جناته.