×
محافظة المنطقة الشرقية

إغلاق 250 مطعماً بمكة المكرمة

صورة الخبر

ألا تصدمكم تلك الأخبار الفاجعة التي تنشر في زوايا صغيرة وجانبية من جرائدنا المحلية وتأتي في العادة كما الآتي: انتحار خادمة في القريات، عامل يشنق نفسه في مزرعة في..... أب مقيم يقتل بناته الأربع وزوجته وبينت التحقيقات معه بأنه مدين بخمس وسبعين ألف ريال لم يتمكن من دفعها فانتقم من نفسه وعالمه وأهل بيته بقتلهم! ليس العجيب فقط ما يحدث بل العجب في الطريقة التي تصاغ بها هذه الأخبار أحيانا مثل ذلك الخبر الذي يقول: اختار عامل من جنسية آسيوية إنهاء حياته بالانتحار شنقا في إحدى قرى محافظة ضرية بمنطقة القصيم. http://akhbaar24.argaam.com/article/detail/167657 (اختار)؟؟؟ هل نختار الموت؟ أم أننا نجد أنفسنا محاصرين بالقسوة اللا إنسانية والإهمال فنضطر إلى مغادرة هذا العالم البشع كارهين لا مختارين وما الذي سيحدث حقا؟ تماما كما أشار الخبر: ستباشر الجهات الأمنية القضية والتحقيق لا زال جاريا وسيضطر كفيله إلى الانشغال أياما لاستخراج وثائقه وإثبات عدم الجناية كما سيضطر لدفع ثمن التقديم لعامل آخر ....الخ. لا أحد سأل كيف كان يعيش هذا العامل المعزول عن العالم في مزرعة نائية وبشروط حياة ربما هي الأقسى. لا أحد تفكر في علاقات هذا المغلوب على أمره؟؟ كم عمره وما اهتماماته وكيف وصل به اليأس لأن (يختار) إنهاء حياته. يا لها من قسوة بالغة! كل هذه الأصوات الخافتة الواقعة على هامش مجتمع مغلف على نفسه داخل أسواره العالية غارق حتى أذنيه في عالم من التزييف الاجتماعي والثقافي والشخصي دون أن يسمع الآخر كلهم.. كلهم دون استثناء يصرخون منادين وطالبين الرحمة والمساعدة. حين أمر بسيارتي عائدة من عملي وأرقب المشاغل النسائية وأتصور الأسيرات داخلها ممن لا تتاح لهن فرصة الخروج من هذا الكهف إلا نصف نهار في الأسبوع إذا أحسنت صاحبة المشغل التعامل معهم أتساءل.. كم هي القنابل الموقوتة التي ستتفجر في وجوهنا لو حصل شيء لا سمح الله؟؟. كل هذا الحرمان والتجاهل وساعات العمل الطويلة وعدم العيش بطبيعة إنسانية وفي ظروف معيشية غاية في المحدودية والبساطة (نوع الغرف الأثاث، الأكل) وخاصة للعمال الغير مهرة أو ذوي المهارات المتوسطة الدخل (عمال نظافة، عمال مزارع نائية، عاملات المشاغل، عاملات المنازل) وقس على ذلك. لتعرف ما أقصد ضع نفسك في مكانهم تمثلا بقول المصطفى عليه السلام: أحب لأخيك ما تحب لنفسك. أي ضع نفسك تماما في مكانه: هل تستطيع أن تتقبل وتعيش ذات الظروف المهنية والمعيشية والأسرية والمالية التي يعيشونها؟ عالمان منفصلان تماما: عالم المواطن الذي وإن عانى ظروفاً مهنية صعبة (والكثير يعيشون ذلك) فهو يبقى مواطنا بين أهله وعلى أرضه وعالم من نسميهم بالأجانب: عربا وغير عرب (من غير الغربيين من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية) هؤلاء الذين يعيشون عالما لا نعرف في الغالب تفاصيله وكل ما نعرفه إذا أجدنا هو اسمهم الأول (إذا لم يتم تحريفه لصعوبته مثلا كأن نسمي شغالة نانا وهي أنجلينا مثلا وهكذا وهكذا) لكن لا نعرف محدودية رواتبهم واضطرارهم إلى أكل أي شيء للبقاء بغض النظر عن جودته واضطرارهم للسلع المقلدة لرخصها والعيش في المناطق الفقيرة بخدماتها لرخص التكلفة وعدم وجود نظام خدمة صحي واضح وجيد (للعمالة الرخيصة) وغير ذلك من جوانب الحياة الصعبة في بلد يرشح كل ما فيه بعنصرية بغيضة. هل العيب في القانون ؟ ربما في بعض جوانبه لكنه حاول جاهدا وضع شروط تشغيل تضمن على الأقل الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية (عدد ساعات العمل وفرض إجازة أسبوعية وتحديد حد أدنى للراتب) لكن العبرة الآن في المواطن الذي يتعامل مع كل حالة على حدة. هذا المواطن لا يمكن للأجهزة الحكومية مراقبته أربع وعشرين ساعة ولملايين العمال والمستخدمين.. هذا المواطن يحتاج لوعي ذاتي ولتأكيد مبادئ العدالة الإسلامية التي جاءت عبر تعاليم ديننا الخالد التي لا نعرفها إلا في خلال قراءتنا لآيات القرآن الكريم أو في تعاليم المصطفى عليه السلام لفظا مكررا لكننا لا نتمثلها قيمة أو سلوكا وهذه هي المشكلة التي تولد عدم الإحساس بالآخر لأنه ليس لدينا إحساسا بالذنب أو التقصير فهو عامل (غبي) لأنه لا يتحدث لغتنا ولا يفهم سلوكنا ويجب أن أمارس عليه سلوك القاهر دائما وراقب ما أقول ولاحظه في تعامل حارس المدرسة مع السائقين الأجانب وتعامل رجل المرور ورب الأسرة والطفل في المدرسة مع سائقه والفتاة مع العاملة المنزلية والعملاء مع موظفي المهن الحقيرة في المؤسسات كبيرة أو صغيرة وهكذا.. كرة ثلج تكبر من العنصرية والفروقات المعيشية والخدمات التعليمية والطبية تأكل في قلب المجتمع الذي خسر نفسه، فنموذج العدالة والديمقراطية لا يمكن المناداة بها وإلزام الحكومات بها ونحن لا نعلمها لصغارنا في تعاملهم مع من حولهم من الأجانب والعمال حتى يمكن تبنيها كقيمة داخلية أولا ثم تحويلها إلى مؤسسات عامة ترعى حقوقنا السياسية وتحقق العدالة الاجتماعية. العدالة والحرية والديمقراطية مفاهيم قيمية لا تطبق في حالة وتمنع عن أخرى وهي تيار قيمي مبني على أسس فكرية ونحن نضحك على أنفسنا (وكما العادة) إذا توقعنا أننا نناضل من أجل مزيد من الحريات السياسية والاجتماعية ونحن لا نتعامل بها مع أقرب الناس إلينا: عمالنا (الأجانب) الذين يعملون بيننا فيما أغلبنا شبه نيام.