×
محافظة المنطقة الشرقية

بعد 5 أشهر من محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا.. المغرب تغلق مدارس تابعة لفتح الله غولن.. فما مصير الطلاب؟

صورة الخبر

ظل النظام الإقليمي العربي صامداً لما يقرب من نصف قرن حتى قبل أن تحصل دول عربية كثيرة على استقلالها برغم اختلاف وجهات النظر بين من يصنعون السياسة الخارجية في دوله، بدءاً من حلف بغداد في خمسينات القرن الماضي ومروراً بفترة السبعينات منه عقب توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل. فعلى رغم مقاطعة عدد من الدول العربية مصرَ، إلا أنه كان هناك في المجمل كيان عربي لم يُخترَق بعد وكان حائط صد لكل محاولات الاختراق الإقليمي والدولي. وما كان يميز هذا النظام الإقليمي هو أنه كان يأخذ قوة دفع بفعل التفاعلات. ظهر ذلك عقب العدوان الثلاثي على مصر 1956 ثم أثناء حرب 1973. إلا أن ملامح هذا النظام بدأت تتآكل بعد ذلك بفعل عوامل كثيرة كانت لها تمهيدات على الأرض، أبرزها ظهور «الإسلام السياسي» والحرب على الوجود السوفياتي في أفغانستان ثم حرب العراق وإيران، بالإضافة إلى القطيعة التي حدثت بتوافق جماعي بين عدد من الدول العربية ومصر عقب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. ويلاحظ أن الدول التي تزعمت هذه المقاطعة هي التي بدأ من أراضيها، انهيار النظام الإقليمي العربي، ثم ما لبثت هي ذاتها تتفكك ويعمها الدمار. القضية في الأساس ليست مرتبطة بفعل مؤامرة كونية بقدر ما أنها مرتبطة بصنّاع السياسة الخارجية لعدد من الدول في محيطها العربي والإقليمي. فإذا بحثنا في جذور الكوارث التي شهدها عدد من الدول العربية، سنجد أنها ترتبط بتوجهات السياسة الخارجية لتلك الدول. فالتحرك إقليمياً ودولياً، لا يمكن أن يسير على نهج التحرك في الداخل. فإذا كنت حاكماً ديكتاتورياً فهذا لا يصلح مع منطق التفاعل ما بين الدول، والتاريخ مليء بالعبر للدول التي تطرفت في سياستها الخارجية وحولتها من التعاون والتفاهم مع جيرانها إلى العدوان بدءاً بالكوارث التي حدثت في الحربين العالميتين الأولى والثانية وانتهاء بما يحدث على الأرض العربية على مدار العقود الأربعة الماضية. فصانع السياسة الخارجية بتوجهاتها غير الحكيمة والعدوانية هو المسؤول في شكل أساسي عما حدث ويحدث. على سبيل المثل، في دولة مثل العراق التي لو كانت على حالتها الطبيعية لأغنتنا الآن عن الكثير من هذا الاختراق الدولي والإقليمي و «الداعشي» لمجتمعاتنا. فالعراق ذهب نتيجة غياب الرؤية والعقلانية وغلبة الديكتاتورية على صنع سياستها، ما أدى إلى أن يتحول من حائط الصد إلى نقطة ارتكاز لقوى إقليمية ودولية طامعة في المحيط العربي. م اذا كان سيحدث لو لم يكن هناك قرار خطأ باحتلال الكويت، وتمَّ احترام علاقات الجوار بين مجتمعين شقيقين؟ هو القرار الذي أخضع به صدام حسين جيرانه العرب والعالم لتفسيره الخاص للواقع، ومن ثم كانت الكارثة التي بدأت بالاحتلال، ثم تحرير الكويت، فالحصار، فالغزو الأميركي ثم النفوذ والهيمنة الإيرانية، وأخيراً غزو التطرف والإرهاب، وحتى ثورات الربيع العربي، مقدماتها سبقتها بسنوات مع الاحتلال الأميركي للعراق تحت مسميات نشر الديموقراطية وغيرها. ما يعنينا هنا هو أن السياسة الخارجية وصناعتها، هما المتهمان الأوّلان في معظم الكوارث التي تضاعفت بعد ذلك. كان يفترض أن يكون هناك قدر من الاتزان في تحركات الدول العربية بعد أن انهار عدد من مجتمعاتها بسبب هذه الزعامات التي أخطأت كثيراً في حق تلك المجتمعات، إلا أنه للأسف يبدو أننا لم نتعلم وما زلنا نسير على النهج الذي أضاع العراق بتاريخه وحضارته العربية الإسلامية. فعبر أكثر من 1500 سنة كان هو الحامي لكل المجتمعات العربية من المغول والفرس وغيرهم. وبنظرة بسيطة على المجتمعات العربية في ظل هذا التوغل الدولي والإقليمي وفي ظل انهيار دولها، لا توجد سياسة خارجية رشيدة، وكل دولة تنظر تحت قدميها وفقاً لمصالحها الضيقة ولا تستطيع أن تبحث في إطار أشمل يمكن أن ينقذ هذا الإقليم من الذوبان في حروب أهلية. خسارة العراق كدولة ومجتمع صاحب حضارة وثقافة، لا تقل في أضرارها عن خسارة سورية بتاريخها الإنساني، فهي كانت مهداً لوجود البشر والديانات. والقضية هنا ليست أن المشرق العربي بعيد بمشاكله البعيدة عن المغرب العربي، فما يحدث في ليبيا، قد يتكرر في دول الجوار في المغرب بدرجة أو أخرى. فلماذا افتعال الأزمات بين الدول العربية؟ هل هذا ناتج من قصور في الرؤية، مثلما حدث في السابق في مواقف مشابهة في الماضي القريب؟ فماذا يساوي النزاع على الحدود بين دولة عربية وأخرى في مقابل أن تتحول مجتمعاتهما إلى ميليشيات تابعة للخارج تتقاتل في ما بينها؟ وبأي انتصار سيفخر هؤلاء أو أولئك في سورية أو العراق؟ فهل بعد تشريد الملايين وقتل مئات الآلاف والخراب والذعر الذي حل بالجميع، يمكن أن نقول هناك مَن هو منتصر سواء من المعارضة أو مِمَن يحكمون؟ ليتنا حتى نتعلم من الدول الإقليمية الطامعة والمتوغلة في الأراضي العربية التي تحاول أن تُصَدر مشاكلها إلينا وتناور وتتفاوض على أجساد من يُقتَلون في حلب والموصل وغيرهما. فهل يرحمنا التاريخ ونحن نصنع الخراب بأيدينا؟ نحتاج الى وقفة من النخبة وممن يحكمون ويصنعون السياسة الخارجية. ليس بالقتال وحده تحل المشكلات، وليس بالمساومة والتابعية تصنع هذه السياسة، وإنما صناعتها تتم أولاً بالاعتراف بالدول ككيانات لها سيادتها ولها احترامها، وأن مبدأ التدخل في شؤونها الداخلية قد يؤدي إلى كوارث. فماذا سوف يفيد لو استمرت صناعة السياسة الخارجية وفقاً لمنطق الأهواء الشخصية بعيداً من القراءة الصحيحة على أرض الواقع، مثلما حدث في السابق؟ النظام الإقليمي العربي بدأ انهياره بسوء إدراك وتصرف من صدام حسين مع غزو الكويت، فهل نكرر هذا الماضي المؤلم في مجتمعات عربية أصبحت أكثر اختراقاً وأكثر ضعفاً؟     * كاتب مصري