لا تبدو المهمة سهلة أمام إطلاق تلفزيون «نبض الأوريسند» الناطق بالعربية في السويد. صحيح أن الخطوات الأولى قد استثمرت حتى اللحظة في الاتجاه الصحيح، لكنّ عقبات التمويل كبيرة، وبخاصة أن الجانب السويدي الذي يدعم عادة المشاريع التي تحمل نفساً ابداعياً خالصاً صار ينظر بعين الشك الى بعض مصادر تمويلها بعد عمليات الاختراق الأمنية لكثير من المؤسسات العاملة على أراضيه وأراضي دول الاتحاد الأوروبي عموماً، وهذا قد يؤخر عمليات تلقي الدعم الحكومي المتوقع الى حين. أطلق تلفزيون «نبض الأوريسند» ساعات من البث المصورة عبر شبكة الإنترنت مستغلاً البرامج التي يصورها طاقم شبابي عربي وسويدي متحمس ويعمل مجاناً أو بدخل متواضع جداً بغية تثبيت دعائم المحطة العربية الطموحة. وقد ارتأى القائمون عليه إطلاق هذا الاسم تأكيداً على عمليات التواصل التي ستحتاجها الجاليات العربية للتواصل والاندماج مع محيطها، فـ «الأوريسند» هو الجسر الذي يصل بين مدينة مالمو (جنوب السويد) والعاصمة الدنماركية كوبنهاغن، ويؤمن عمليات الانتقال اليومية لآلاف من الموظفين والعاملين والمقيمين في الاتجاهين. يقول القائمون على المحطة إن مخاطبة السويديين في مثل هذه الظروف التي تعصف بالعالم أصبحت أكثر تعقيداً مع انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» وقيام الجماعات المتشددة بعمليات دهس وتفجير في أماكن كثيرة. وقد تبدو مهمة «نبض الأوريسند» أصعب مما هو متوقع، ذلك أن المواطن السويدي لن يفهم بسهولة ما يحدث أمامه إن لم يدر نقاش أكاديمي بين كل الأطراف المهتمة، فأي مقيم في البلاد، عليه أن يدرك أن أي تراجع قد تبديه السويد على صعيد حقوق اللاجئين قد يترك تأثيرات سلبية على المدى المتوسط والبعيد عليها، ما قد يولد مشكلات لجميع هذه الأطراف وللأجيال المستقبلية. «نبض الأوريسند» يمكنه المساعدة في هذا الاتجاه من طريق رصد المشكلات المجتمعية التي تنشأ يومياً نتيجة الصعوبة في عمليات الاندماج التي تقوم عليها الحكومة السويدية وتعاني من ضغوط هائلة بنتيجة الأعداد الكبيرة من اللاجئين التي عبرت الى السويد في العامين الأخيرين. أي خبر عن الجالية العربية على موقع تلفزيون «نبض الأوريسند» صار محط اهتمام الآلاف من خلال مئات التعليقات. وأسطع الأمثلة ليلة احتفالات رأس السنة في الجانب العربي من مدينة مالمو (ساحة المولفون) مع قيام عشرات أفراد الجاليات العربية برمي المفرقعات وإلقاء الألعاب النارية على المارة، الأمر الذي حوّل الساحة الى ميدان قتال دفعت عشرات الآلاف من العرب بالمقابل الى إدانة هذه الأعمال التخريبية التي تسيء للجميع، وليس للقلة القليلة التي تقوم بها فقط. ردود الفعل هذه ينقلها القائمون على المحطة الى السويديين لتوضيح الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في هذا الشأن. طاقم «نبض الأوريسند» متنوع وشبابي وفد في معظمه من سورية بعد اندلاع الحرب فيها مثل قتادة أبو يونس الذي أطلق فكرة المحطة والجريدة (بالاسم ذاته) والمذيعة وسام حمود والصحافي محمد الحاج والصحافية السويدية هانا روبين ومقدمة البرامج هبا أبو الحسن. شباب وشابات عملوا في مؤسسات صحافية وإذاعية وحكومية متنوعة وجدوا أنفسهم في محيط مدينة مالمو وانتسبوا الى هذه المؤسسة ليقدموا من خبراتهم ما يمكن أن يفيد الجاليات العربية فيها، مستفيدين من الانفتاح الذي تقدمه الحكومة السويدية لمثل هذه المشاريع وإن بدت متباطئة بسبب الأوضاع المحيطة بالبلاد. وهناك الجانب الصحافي السويدي الذي يبدي رغبة بتعلم اللغة العربية والاطلاع على العادات والتقاليد في بلادنا، وصار يبدي انفتاحاً أكبر على هذه المؤسسة الوليدة، بانتظار وصول الدعم المتوقع في الشهور المقبلة. ما يقوم به تلفزيون «نبض الأوريسند» قد لا يشاهده المرء على المحطات السويدية من طريق تقديم أخبار الجاليات العربية المغرقة في خصوصياتها من نجاحات لأفراد هذه الجالية وترجمة الصحافة السويدية للمشاهد العربي وإيصال كل المعلومات المتعلقة بأسس عمليات الاندماج الصعبة له. هناك كثير من الأنشطة السويدية التي يجهلها أفراد الجالية العربية في السويد تجد تعريفاً بها عبر هذا التلفزيون الوليد، وقد أدرك الجانب السويدي أهمية هذا الموضوع وأخذ يبدي مزيداً من الانفتاح على المحطة والقائمين عليها. وتجلى ذلك في اللقاءات التي صارت تعقد في الجامعات السويدية بين ممثلين عن المحطة وأساتذة وأكاديميين سويديين ومسؤولي أحزاب، حتى أن «الحزب الديموقراطي السويدي» أجرى اتصالات مع تلفزيون «نبض الأوريسند» بغية تصوير بعض الفيديوات الخاصة بالعمل السياسي في السويد حول الانتخابات المقبلة وتقديمها للجاليات العربية وفتح نقاش سياسي ومجتمعي معها حول كثير من الأخطاء والترسبات التي تعاني منها، وهل كانت تعاني من اضطهاد بدأ مع اللحظات الأولى لوصولها الى البلاد، إذ تبيّن دراسات سويدية أكاديمية أن الوافد العربي يعاني من صعوبات كبيرة في الحصول على عمل مقارنة بالمواطن السويدي. يقول قتادة أبو يونس أحد القائمين على التلفزيون إن فكرة استضافة سياسيين عرب قائمة أيضاً لأن مثل هذه الاستضافات تفتح مساحات أكبر لمثل هذه النقاشات المزمع القيام بها من الجانب السويدي. إدراك المبادرات كما يقول هي شيء أساسي في عمل التلفزيون للوصول الى المواطن السويدي الذي لا يتفهم مشكلات الجاليات العربية بسهولة. يمكن القول إن تلفزيون «نبض الأوريسند» يمرّ بمرحلته الأولى في البث عبر شبكة الإنترنت وهو بانتظار الدعم اللازم لتحرير عمليات البث باتجاه الكيبل الذي يدخل معظم بيوت الجالية العربية. أما في شأن البث الفضائي الكامل فهذا أمر متعلق بحجم الدعم الذي يمكن الحصول عليه مع معرفة أن التمويل الخارجي قد يصبح مصدر شبهة في بعض الأحيان في هذه الفترة العصيبة، فالإمكانات المتاحة حتى اللحظة قد تحد من طموحات القائمين عليه، وحتى تقديم الخدمات الاعلامية وفق الطلب لن يكون متاحاً بالسهولة ذاتها التي قد تبديها محطات سويدية في عمليات السوق المتقلبة. فكل عمليات «نبض الأوريسند» التي تخص قلوب اللاجئين المتعبة تظل معلقة في سقوف ينفتح عليها «جرّاح القلب» السويدي ببطء وحذر شديدين.