بحلول عام 2025، فإن وظائف موظفي الاستقبال والبنوك وسائقي الأجرة في خطر؛ حسب أبحاث مكثفة أجريت من أكثر من جهة، إحداها جامعة أوكسفورد، والمنتدى الاقتصادي الدولي. فالثورة الصناعية الرابعة، حسب المسمى، وهي ثورة الروبوت والذكاء الصناعي، ستهدد الطريقة التي يعيش بها الإنسان حاليًا؛ طريقة التواصل تبادل الحديث، والتعليم، وكذلك الحياة الواقعية التي ستتحول إلى افتراضية بدءا من محلات الخياطة وليس انتهاء بالصيدليات. وفي الوقت ذاته، فإن مهنًا ستكون بمأمن؛ وهي الطب والغناء والمحاماة ومعلمو المدارس الابتدائية. الباحثان في جامعة أوكسفورد، كارل بندكت فري ومايكل أبسورن توقعا حسب نتيجة البحث الذي تم إجراؤه أن 47 في المائة من الوظائف في الولايات المتحدة الأميركية تواجه خطر الرقمنة. وفي تساؤل عن المستقبل شارك في الإجابة عنه 800 من الخبراء والتنفيذيين في المجال الرقمي عن توقعات المستقبل، توقع 86 في المائة منهم أن تشهد أميركا أول صيدلي آلي «روبوتك» في 2025، وأن أول سيارة مطبوعة عبر طابعات «ثري دي» ستكون في ذلك العام، كما ستشهد تلك السنة أول عملية زراعة كبد بطابعات ثلاثية الأبعاد أيضًا، في وقت تشير دراسات إلى أن تجارة زراعة الأعضاء المطبوعة بطابعات ثلاثية الأبعاد ستزدهر في العقد المقبل وقد تتجاوز 4.04 مليار دولار. هذه الفرضيات والتوقعات الناتجة عن أبحاث معمقة، تعيد الذاكرة إلى بدايات الكومبيوتر؛ ففي 1985 كان أول جهاز حاسوب فائق السرعة في ذلك الزمن يسمى «كري 2»، لكن في عام 2016 كانت القدرات الذكية لإحدى الساعات الرقمية تعتبر ضعف قدرات ذلك الجهاز، وهذا ما يعطي تصورًا عن مدى التطور الكبير والمذهل في عالم التقنية. وفي تقرير للأمم المتحدة مطلع العام الماضي، ورد فيه أن قرابة 3.2 مليار شخص متصلون بالإنترنت في العالم، وأن هذا العدد سيرتفع إلى 3.7 مليار؛ أي ما نسبته 53 في المائة من سكان العالم سيكونون متصلين بالإنترنت والفضاء الرقمي في 2020. الرئيس التنفيذي لمجموعة ديسكفري جي بي بارت قال في تصريح سابق له، إن هناك 10 مليارات جهاز في العالم يمكن مشاهدة المحتوى المرئي عليها، ويقصد بذلك الأجهزة الذكية والألواح الكفية. ويتوقع أن تتغير سلوكيات المشاهدة بسبب الثورة الرقمية، وهو ما يتطلب تكيفًا من صناع المحتوى والإعلام لمواجهة التحديات المقبلة. من جهته، يقول نيكولاس ديفس - وهو رئيس وحدة المجتمع والابتكار في المنتدى الاقتصادي الدولي - لـ«الشرق الأوسط»، إن ثلث المهارات التي يختص بها الإنسان لن تصبح هناك قيمة لها في أقل من 10 سنوات، وإن وظائف كانت أساسية مثل مأمور الهاتف الذي يربط المتصل بالوجهة المراد الاتصال بها اختفت منذ عشرات السنين، ومثلها، ستختفي وظائف ومهام في السنوات المقبلة، ويضيف: «الآن في كثير من المطاعم لم تعد بحاجة للتحدث إلى موظف كي تطلب وجبة ما، وكل ما عليك فعله أن تختار وجبتك عبر شاشة اللمس وتقوم بالدفع وتتسلم وجبتك من الشباك في أتمتة كاملة لوظيفة مستقبل الطلبات في المطاعم ومحال الوجبات السريعة؛ وهذه معمول بها حاليًا في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة». لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن الاستعداد لهذه الثورة التقنية؟ ويبدي ديفس خلال حديث هاتفي معه - وهو يستعد لترتيبات منتدى «دافوس» الاقتصادي العالمي الذي يشغل عضوا باللجنة التنفيذية فيه - رؤيته بأن الحكومات تواجه وستواجه صعوبة في سن التشريعات الخاصة بالتقنية؛ وذلك لأن الثورة الصناعية الرابعة تفاجئك في كل لحظة، ومثال ذلك السيارات بلا سائق وتطبيقات أخرى، ويضيف: «بدأت تجربة السيارة بلا سائق، وهناك دراسات تقول إن أول مدينة في الولايات المتحدة خالية من إشارات المرور ستكون خلال 6 سنوات... هنا مثلاً يأتي التساؤل أين تشريعات المرور الخاصة بالسيارات الذكية؟». ويقول نيكولاس ديفس إن الوعي هو الحل الوحيد لمجابهة التغيرات التقنية المقبلة، التي سيحتار الإنسان كيف يعيش فيها، فحاليًا التقنية هي من تتحكم بالإنسان وليس الإنسان هو الذي يتحكم بها. آخر الأوراق العلمية المرتبطة بهذا الشأن نشرت يوم أمس لرئيس مبادرات الاقتصاد الرقمي في «إم آي تي» (معهد ماساتشوستس للتقنية) في بوسطن، إيريك براينجولفسن، يرفض فيها القلق من التقنية لأنها مجرد أداة بيد الإنسان، وأن الإنسان هو من يصنع المستقبل بالتقنية، وفي الوقت ذاته يقول إنه يجب تفهم القلق الذي يحيط ببعض الوظائف كسائقي الشاحنات والأجرة أو موظفي الاستقبال والبنوك، الذين قد يخسرون وظائفهم في العقد المقبل بسبب أتمتتها.