الابتكار هو إيجاد الشيء الذي لم يكن معروفا، وأما التطوير فهو التحسين والتعديل للابتكار. والقفزات الإنسانية، ما هي إلا ابتكارات أوجدت أموراً لم تكن موجودة أصلاً. والقفزات الابتكارية تظل دائماً هي المصدر للتطور الذي تعيش عليه الإنسانية لعقود أو لقرون. لذا فبعد مرحلة الإبداع تأتي مرحلة التقريب والتيسير للناس لكي يشارك المجتمع بأفراده كلهم في التطوير والتحسين لهذا الإبداع، فلا يموت الإبداع بالاحتكارية من فئة معينة. وهذا يفسر انفتاح أمريكا بإبداعاتها على العالم وبذلها لهم، لكي يخدموه ويطوروه. والإبداع يخلق ممانعة عند الغير، ذات دوافع غريزية قوية. أصل قوّتها هي فطرة البقاء. فما الحسد والغيرة والتنافس إلاّ دوافع غريزية لتحقيق فطرة البقاء. فالممانعة لغير المألوف لا يجب استنكاره، فهو أمر فطري ولكن يتميز العظماء بحسن التعامل معه. والعظماء ندرة في الأمم ولهذا أصبحت الابتكارية نادرة وكانت الابتكارات قليلة معدودة عبر التاريخ. وكذلك، فالإبداعية نادرة في كون أصل فكرتها بسيطة ولكنها لا تخطر على بال أحد من الناس، كإبداع إيجاد الصفر. حتى إذا ما قُدمت لهم الفكرة الإبداعية، وجدوها سهلة ميسورة، فإن قدروا على بهت صاحبها ومن ثم الاستيلاء عليها فعلوا. ولا تتأتى هذه الثقافة في المجتمعات المتخلفة، ولهذا تخلو من الإبداعات. ففي هذه المجتمعات تتسع الفجوات الفكرية بين المُلقي والمُتلقي، مما يُشكل عاملاً مهماً في إحباط أي فكر تنويري تجديدي ما لم يصبر عليه أهله ويعضوا عليه بالنواجذ. ولهذا فأي مشروع متقدم إبداعي، سيصعب على الناس اليوم فهمه ما دام في حالته التنظيرية ، ما لم يروه في واقعهم الملموس تطبيقاً حياً مؤثراً في حياتهم. إنّ الاقتصاديات الناشئة تربة خصبة بكر للابتكارات، فإن أضيف لذلك خصوصيات بلادنا الأخرى، كالبترول والثروة والربط بالدولار، أصبحت بلادنا أكثر خصوبة لولادة الإبداعات الفكرية. فالحاجات كثيرة، والحاجة أم الاختراع. والمجالات مفتوحة فما من مزاحمة. وإنما أتانا الخوف من تحجيم العقل بالانهزامية أمام التنظير الغربي. المبدعون هم الذين ينظرون إلى حقائق أصول الأشياء - الحادثة أو التي ستحدث - والتي لا تكون ظاهرة للعيان، ولهذا فقليل من يفهمهم. وأما خواص الناس فعادة ما يتجادلون ويتناظرون حول الحوادث الناتجة عن حدوث الأشياء أو وقوعها. وأما البسطاء فهم تبع لما يفهمون، وهم الغالبية الساحقة فيُسلمون عقولهم للخواص، ويضيع الإبداع بضياع المبدعين. إنّ الإبداع لا يتحقق عندما يكون النظر مقصوراً على نتائج وقوع الحوادث لا أصولها. وبغض النظر عن صحة النقل، فقد أعجبتني مقولة قائد لشلة الفلاحين الأمريكان، الذين أثاروا الطلقات الأولى ضد البريطانيين، وقد كان ذاك القائد هو أول قتيل في الثورة، كذلك. فقد سأله ابنه الصغير، كيف يُكتب لنا النجاح، ونحن نقاوم أعظم جيش في العالم وأحسنه انضباطاً .. فأجابه: هم جند يأمرهم قادتهم فينفذون. ونحن يُبين لنا قادتنا السبب، فنقوم بما يلزم لتحقيق غرضه، فالجندي منا بأعظم قائد منهم.