في بداية مرحلة النهوض الإداري في المملكة العربية السعودية، أو لنقل قبل التنظيم الوظيفي الحديث، كانت الوظيفة تسير على حاملها سيطرة التنويم المغناطيسي. فقد كان الرجل يحمل دفاتره، وأوراقه إلى منزله ليعدل، ويغير وينجز، وإن لم يحمل الأوراق فقد كان يحمل الهموم. فلو أخذنا على سبيل المثال مركز الشرايع -وهو قرب مكة المكرمة.. في طريق الذاهب إلى نجد برا- وجدنا أن موظفيه ينامون في المركز، وعندما يحل الظلام يخرج الفانوس إلى خشبة أمام المبنى على طريق ترابي، لُينبّه القادم من مكة، أو الداخل إليها بوجود مركز يوجب التوقف فيه لإعطاء بياناته عن (الحمولة) والسيارة وسائقها ومالكها. وكان على السائق أن يسعى لإيقاظ الموظف في ما لو وجده نائما. والغريب أنك قلَّما تسمع عبارة تململ، أو تذمر من الموظف، فهو يستيقظ على صوت المكينة، ويقوم بأخذ المعلومات ويترك السيارة تذهب.. ثم يعود إلى نومه.. ولم يكن نظام العمل خارج الدوام الرسمي له وجود في ذلك الوقت.. (أوائل الخمسينيات الميلادية). وقل مثل ذلك على مركز (رماح)، و(وأم عقلا) في الصمان، و(قرية) قرب الحدود السعودية - الكويتية. كان موظفو المنافذ مرتاحين إذ لم يكن متاحا للعابرين أن يمروا ليلًا. وعلى القادم إلى المملكة أو الخارج منها الانتظار حتى صباح اليوم التالي.. فنظام (الورديات) لم يعرف بعد. ونجاح هذا النوع من الإدارة البدائية كان بسبب كون الظروف السكانية أحد العوامل لنجاحه والمتابعة المتواصلة من الرياض. لم يكن ثمة (متخلفون) تزدحم بهم مراكز الرحيل. المخدرات لم تكن معروفة.. لذا فمخافر وأجهزة مكافحتها لم تكن موجودة. التزوير شيء لم يسمع به الناس. كان الموظف مرتاحاً من الناحية العملية.. ومع ذلك كان البعض يتيح جلسات مسائية في منزله للنظر في قضايا الناس، أو تصريف ما يستطيع من أعماله، وكل شيء يكفي حتى (المعاش) لم يكن ذا بال. مدير المركز كانت تحت رقابته أمور كثيرة فهو مسؤول عن (البرقية) - اللاسلكية والجوازات والجمارك والأمن أو أي شيء (بسنع الشيوخ) - أي له صلة بالدولة.